للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: سَمِعْتُهُ مِنَ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ: إِذَا كَانَتْ مُهِمَّةُ الْوَسْوَسَةِ التَّشْكِيكَ وَالذَّبْذَبَةَ وَالتَّرَدُّدَ، فَإِنَّ عُمُومَاتِ التَّكْلِيفِ تُلْزِمُ الْمُسْلِمَ بِالْعَزْمِ وَالْيَقِينِ وَالْمُضِيِّ دُونَ تَرَدُّدٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [٣ \ ١٥٩] ، وَامْتَدَحَ بَعْضَ الرُّسُلِ بِالْعَزْمِ وَأَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [٤٦ \ ٣٥] .

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» .

وَالْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ «الْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِشَكٍّ» .

وَالْحَدِيثُ: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ لِأَحَدِكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَلَمْ يُحْدِثْ، فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» .

وَمِنْ هَنَا كَانَتِ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا عَلَى الْيَقِينِ، فَالْعَقَائِدُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْيَقِينِ.

وَالْفُرُوعُ فِي الْعِبَادَاتِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ النِّيَّةِ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .

وَالشَّرْطُ فِي النِّيَّةِ الْجَزْمُ وَالْيَقِينُ، فَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ حَضَرَ فُلَانٌ تَرَكَهَا، لَا تَنْعَقِدُ نِيَّتُهُ، وَلَوْ نَوَى صَوْمًا أَنَّهُ إِنْ شَاءَ أَفْطَرَ، لَا يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ.

وَنَصَّ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: أَنَّهُ إِنْ نَوَى لِيَوْمِ الشَّكِّ فِي لَيْلَتِهِ الصَّوْمَ غَدًا، عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَحَّ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ لِرَمَضَانَ، وَإِلَّا فَهُوَ نَافِلَةٌ، لَا يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا حَتَّى لَوْ جَاءَ رَمَضَانُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ.

وَالْحَجُّ: لَوْ نَوَاهُ لَزِمَهُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْخُرُوجَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ.

وَهَكَذَا الْمُعَامَلَاتُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ مَبْنَاهَا عَلَى الْجَزْمِ حَتَّى فِي الْمَزْحِ وَاللَّعِبِ، يُؤَاخَذُ فِي الْبَعْضِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.

فَمِنْ هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ دَوَافِعُ الْعَزِيمَةِ مُسْتَقَاةٌ مِنَ التَّكَالِيفِ، مِمَّا يَقْضِي عَلَى نَوَازِعِ الشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ، وَلَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مَجَالٌ لِشَكٍّ وَلَا مَحَلٌّ لِوَسْوَسَةٍ.

وَقَدْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَفِرُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>