أَمَّا الَّذِي كُنْتُ سَمِعْتُهُ مِنَ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: لَقَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ كَيْفِيَّةَ اتِّقَاءِ الْعَدُوِّ مِنَ الْإِنْسِ وَمِنَ الْجِنِّ.
أَمَّا الْعَدُوُّ مِنَ الْإِنْسِ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [٤١ \ ٣٤] .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ إِسَاءَةِ الْعَدُوِّ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ تُذْهِبُ عَدَاوَتَهُ، وَتُكْسِبُ صَدَاقَتَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ.
وَأَمَّا عَدُوُّ الْجِنِّ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [٤١ \ ٣٦] .
وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآثَارِ مِنْ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْنَسُ إِذَا سَمِعَ ذِكْرَ اللَّهِ.
وَعَلَى قَوْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنَّ شَيْطَانَ الْجِنِّ يَنْدَفِعُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ بِاللَّهِ، وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا.
أَمَّا شَيْطَانُ الْإِنْسِ فَهُوَ فِي حَاجَةٍ إِلَى مُصَانَعَةٍ وَمُدَافَعَةٍ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ، كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [٤١ \ ٣٥] .
رَزَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ حَظًّا عَظِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنَّهُ الْمَسْئُولُ، وَخَيْرُ مَأْمُولٍ.
رَوَى ابْنُ كَثِيرٍ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» : فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ. ثُمَّ قَالَ لِي: «قُلْ» . فَقُلْتُ: هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ لِي: قُلْ. قُلْتُ: أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ حَتَّى فَرَغْتُ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ لِي قُلْ. قُلْتُ: أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حَتَّى فَرَغْتُ مِنْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا فَتَعَوَّذْ ; وَمَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمَثَلِهِنَّ قَطُّ» .