وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُمْ نَخْلَةً مُفْرِدَةً، وَيَأْخُذَ ثَمَرَتَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَجُذَّهَا وَيُقَاسِمَهُ إِيَّاهَا بِالْكَيْلِ، وَيَقْسِمَ الثَّمَرَةَ فِي الْفُقَرَاءِ، وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ، قَبْلَ الْجِذَاذِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَقْسِمَ ثَمَنَهَا فِي الْفُقَرَاءِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ يَابِسَيْنِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ صَاحِبُ «الْمُغْنِي» ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ حَاصِلُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَعْنِي الثَّمَرَ الَّذِي لَا يَيْبَسُ، وَالَّذِي احْتِيجَ لِقَطْعِهِ قَبْلَ الْيُبْسِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مِنْ ثَمَرٍ وَحَبٍّ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: تَجِبُ فِي الْحَبِّ إِذَا اشْتَدَّ، وَفِي الثَّمَرِ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ، فَتَعَلَّقَ الْوُجُوبُ عِنْدَ طِيبِ التَّمْرِ، وَوُجُوبُ الْإِخْرَاجِ بَعْدَ الْجِذَاذِ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي الثَّمَرِ وَالْحَبِّ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ تُسْقَطِ الزَّكَاةُ عَنْهُ.
وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ زُكِّيَتْ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ زُكِّيَتْ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ وَقْتُ الْجِذَاذِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ حَصَادِهِ.
الثَّانِي: يَوْمَ الطِّيبِ ; لِأَنَّ مَا قَبْلَ الطِّيبِ يَكُونُ عَلَفًا، لَا قُوتًا وَلَا طَعَامًا، فَإِذَا طَابَ وَحَانَ الْأَكْلُ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ، وَجَبَ الْحَقُّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، إِذْ بِتَمَامِ النِّعْمَةِ يَجِبُ شُكْرُ النِّعْمَةِ، وَيَكُونُ الْإِيتَاءُ وَقْتَ الْحَصَادِ لِمَا قَدْ وَجَبَ يَوْمَ الطِّيبِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْخَرْصِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْوَاجِبُ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ، فَيَكُونُ شَرْطًا لِوُجُوبِهَا، كَمَجِيءِ السَّاعِي فِي الْغَنَمِ، وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ; لِنَصِّ التَّنْزِيلِ، وَالْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ مِنْهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: بِأَنَّ كُلَّ مَا أَكَلَهُ الْمَالِكُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ يَحْسَبُ عَلَيْهِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يُخَالِفُونَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا لِأَنَّ مَا يَأْكُلُهُ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. وَبِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّ عَلَى الْخَارِصِ أَنْ يَدَعَ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبْعَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ حَصَادِهِ، قَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ