للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَاسِخًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَلَفَتْ عَنْهُ الرِّوَايَةُ فِي لُحُومِ السِّبَاعِ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا حَرَامٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي «الْمُوَطَّأِ» ; لِأَنَّهُ تَرْجَمَ فِيهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِسْنَادِهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» ، ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ» ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ تَحْرِيمُهَا، وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ «الْمُدَوَّنَةِ» ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ الْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا.

وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ مِنْ إِبَاحَتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ بِالدَّلِيلِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ: مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ بِطَرِيقٍ صَحِيحَةٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُّنَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَيُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَاتِ، وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ أَيُّ مُنَاقَضَةٍ لِلْقُرْآنِ ; لِأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَزِيدَةَ عَلَيْهَا حُرِّمَتْ بَعْدَهَا.

وَقَدْ قَرَّرَ الْعُلَمَاءُ: أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ يَثْبُتُ بَيْنَ الْقَضِيَّتَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَ زَمَنُهُمَا ; لِاحْتِمَالِ صِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا، وَقَدِ اشْتَرَطَ عَامَّةُ النُّظَّارِ فِي التَّنَاقُضِ اتِّحَادَ الزَّمَانِ ; لِأَنَّهُ إِنِ اخْتَلَفَ جَازَ صِدْقُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا، كَمَا لَوْ قُلْتَ: لَمْ يُسْتَقْبَلْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، قَدِ اسْتُقْبِلَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَعَنَيْتَ بِالْأُولَى مَا بَعْدَ النَّسْخِ، وَبِالثَّانِيَةِ مَا قَبْلَهُ، فَكِلْتَاهُمَا تَكُونُ صَادِقَةً، وَقَدْ أَشَرْتُ فِي أُرْجُوزَتِي فِي فَنِّ الْمَنْطِقِ إِلَى أَنَّهُ: يُشْتَرَطُ فِي تَنَاقُضِ الْقَضِيَّتَيْنِ اتِّحَادُهُمَا فِيمَا سِوَى الْكَيْفِ، أَعْنِي الْإِيجَابَ وَالسَّلْبَ، مِنْ زَمَانٍ، وَمَكَانٍ، وَشَرْطٍ، وَإِضَافَةٍ، وَقُوَّةٍ، وَفِعْلٍ، وَتَحْصِيلٍ، وَعُدُولٍ، وَمَوْضُوعٍ، وَمَحْمُولٍ، وَجُزْءٍ، وَكُلٍّ، بِقَوْلِي: [الرَّجَزُ]

وَالِاتِّحَادُ لَازِمٌ بَيْنَهُمَا فِيمَا سِوَى الْكَيْفِ كَشَرْطٍ عُلِمَا وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ مَعَ الْمَكَانِ وَالْفِعْلِ وَالْقُوَّةِ وَالزَّمَانِ إِضَافَةُ تَحْصِيلٍ أَوْ عُدُولِ وَوَحْدَةِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ

فَوَقْتُ نُزُولِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَحَصْرُهَا صَادِقٌ قَبْلَ تَحْرِيمِ غَيْرِهَا بِلَا شَكٍّ، فَإِذَا طَرَأَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ آخَرَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، فَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْحَصْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>