للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَاتِ، كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ بِالسُّنَّةِ عَلَى جَلْدِ الزَّانِي مِائَةً الثَّابِتِ بِالْقُرْآنِ، أَوْ زِيَادَةِ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ الثَّابِتِ بِالسُّنَّةِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، أَوِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ الْآيَةَ [٢ \ ٢٨٢] ، غَيْرُ ظَاهِرٍ عِنْدِي ; لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ; لِأَنَّ زِيَادَةَ التَّغْرِيبِ وَالْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى آيَةِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآيَةَ [٢٤ \ ٢] ، فِي الْأَوَّلِ، وَآيَةِ: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ الْآيَةَ، فِي الثَّانِي زِيَادَةُ شَيْءٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْقُرْآنُ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَمِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا مَانِعَ مِنْهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَيْسَتْ نَسْخًا لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ مَنَعَ التَّغْرِيبَ وَالْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عِنْدَهُ نَسْخٌ، وَالْقُرْآنُ لَا يُنْسَخُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ ; لِأَنَّهُ قَطْعِيُّ الْمَتْنِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، أَمَّا زِيَادَةُ مُحَرَّمٍ آخَرَ عَلَى قَوْلِهِ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ الْآيَةَ، فَلَيْسَتْ زِيَادَةَ شَيْءٍ سَكَتَ عَنْهُ الْقُرْآنُ كَالْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَةُ شَيْءٍ نَفَاهُ الْقُرْآنُ ; لِدَلَالَةِ الْحَصْرِ الْقُرْآنِيِّ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ عَنْ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ وَاضِحٌ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ مِمَّنْ يَقُولُ: بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ أَثْبَتَتْ مَا كَانَ مَنْفِيًّا بِالنَّصِّ قَبْلَهَا، فَكَوْنُهَا إِذَنْ نَاسِخَةً وَاضِحٌ، وَهُنَاكَ نَظَرٌ آخَرُ، قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهُوَ أَنَّ إِبَاحَةَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْإِبَاحَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهِيَ اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَحْرِيمِ شَيْءٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ، كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ.

وَإِذَا كَانَتْ إِبَاحَتُهُ عَقْلِيَّةً: فَرَفْعُهَا لَيْسَ بِنَسْخٍ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي نَاسِخِهَا التَّوَاتُرُ، وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِي «تَفْسِيرِهِ» هَذَا الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّسْخِ لِلْأَكْثَرِينَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَكَوْنُهُ نَسْخًا أَظْهَرُ عِنْدِي ; لِأَنَّ الْحَصْرَ فِي الْآيَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ إِبَاحَةُ مَا سِوَى الْأَرْبَعَةِ شَرْعًا، فَتَكُونُ إِبَاحَةً شَرْعِيَّةً ; لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا، وَرَفْعُ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَسْخٌ بِلَا خِلَافٍ، وَأَشَارَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَا تُنَاقِضُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لَيْسَتْ نَسْخًا بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]

وَلَيْسَ نَسْخًا كُلُّ مَا أَفَادَا فِيمَا رَسَا بِالنَّصِّ الِازْدِيَادَا

وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَوَجَّهُوهُ بِعَدَمِ مُنَافَاةِ الزِّيَادَةِ لِلْمَزِيدِ، وَمَا لَا يُنَافِي لَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>