قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: اعْلَمْ أَنَّا نُرِيدُ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ أَنْ نُبَيِّنَ حُجَّةَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ، وَالْحَمِيرِ، وَنَحْوِهَا، وَحُجَّةَ مَنْ قَالَ بِمَنْعِهَا، ثُمَّ نَذْكُرَ الرَّاجِحَ بِدَلِيلِهِ.
وَاعْلَمْ أَوَّلًا: أَنَّ دَعْوَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَطْعُومٌ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَاطِلَةٌ، بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ; لِإِجْمَاعِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ; وَدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، فَهُوَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى تَحْرِيمِ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَمْرَ حَلَالٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ مَا ذُكِرَ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ حَصَرَ الْمُحَرَّمَاتِ فِيهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَحَصَرَهَا أَيْضًا فِي النَّحْلِ فِيهَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [٢ \ ١٧٣] ; لِأَنَّ إِنَّمَا أَدَاةُ حَصْرٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالنَّحْلُ بَعْدَ الْأَنْعَامِ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي النَّحْلِ: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ [١٦ \ ١١٨] ، وَالْمَقْصُوصُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَنْعَامِ، فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ الْآيَةَ [٦ \ ١٤٦] ; وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْأَنْعَامِ: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا الْآيَةَ [٦ \ ١٤٨] ، ثُمَّ صَرَّحَ فِي النَّحْلِ بِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ بِالْفِعْلِ، فِي قَوْلِهِ: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةَ [١٦ \ ١٣٥] ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّحْلَ بَعْدَ الْأَنْعَامِ، وَحَصَرَ التَّحْرِيمَ أَيْضًا فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَقَالُوا: هَذَا الْحَصْرُ السَّمَاوِيُّ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ الْمَلَكُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فِي مَكَّةَ فِي الْأَنْعَامِ، وَالنَّحْلِ، وَفِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ فِي الْبَقَرَةِ لَا يُمْكِنُنَا مُعَارَضَتُهُ، وَلَا إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيِّ الْمَتْنِ، مُتَوَاتِرٍ كَتَوَاتُرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
فَالْخَمْرُ مَثَلًا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَحَرَّمْنَاهَا ; لِأَنَّ دَلِيلَهَا قَطْعِيٌّ، أَمَّا غَيْرُهَا كَالسِّبَاعِ، وَالْحُمُرِ، وَالْبِغَالِ: فَأَدِلَّةُ تَحْرِيمِهَا أَخْبَارُ آحَادٍ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْقَاطِعُ، وَهَى الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا.
تَنْبِيهٌ
اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ تَحْرِيمِ السِّبَاعِ وَالْحُمُرِ مَثَلًا بِالسُّنَّةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute