تَامَّةً فِي التَّحْرِيمِ، وَلَفْظُ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَهُمَا أَيْضًا: «إِنِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا: «فَإِنَّهَا رِجْسٌ» أَوْ «نَجَسٌ» .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الَّذِي صَرَّحَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ رِجْسٌ، صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهَا، وَنَجَاسَةِ لَحْمِهَا، وَأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا لَيْسَتْ لِأَنَّهَا لَمْ يُخْرَجْ خُمُسُهَا، وَلَا أَنَّهَا حَمُولَةٌ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَا تُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ الْمُزَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إِلَّا سِمَانُ حُمُرٍ، وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ، فَقَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ، فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ» . اهـ.
وَالْجَوَّالُ: جُمَعُ جَالَّةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِلَّةَ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْبَعْرُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَكْلُ النَّجَاسَاتِ كَالْعَذِرَةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ يُخْتَلَفُ فِي إِسْنَادِهِ، يَعْنُونَ مُضْطَرِبًا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْبِغَالُ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهَا أَيْضًا ; لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، لُحُومَ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، وَلُحُومَ الْبِغَالِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ» ، أَصْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ، بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَالشَّوْكَانِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ «فِي تَفْسِيرِهِ» : وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «ذَبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْبِغَالِ وَالْحُمُرِ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنِ الْخَيْلِ» ، وَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْبِغَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ عَنِ الْحَمِيرِ وَهِيَ حَرَامٌ قَطْعًا ; لِصِحَّةِ النُّصُوصِ بِتَحْرِيمِهَا.
وَأَمَّا الْخَيْلُ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِي جَوَازِ أَكْلِهَا الْعُلَمَاءُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute