للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمَنَعَهَا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَكُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ صَحَّحَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالتَّحْرِيمُ أَشْهَرُ عِنْدَهُمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَكْرَهُ لَحْمَ الْخَيْلِ، وَحَمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَقَالَ: لَمْ يُطْلِقْ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا التَّحْرِيمَ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ.

وَصَحَّحَ عَنْهُ صَاحِبُ " الْمُحِيطِ "، وَصَاحِبُ " الْهِدَايَةِ "، وَصَاحِبُ " الذَّخِيرَةِ " التَّحْرِيمَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ.

وَمِمَّنْ رَوَيْتُ عَنْهُ كَرَاهَةَ لُحُومِ الْخَيْلِ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَكَمُ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازُ أَكْلِ الْخَيْلِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْأَسْودُ، وَعَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَدَاوُدُ، وَغَيْرُهُمْ.

كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ النَّوَوِيُّ، فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ "، وَسَنُبَيِّنُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - حُجَجَ الْجَمِيعِ، وَمَا يَقْتَضِي الدَّلِيلُ رُجْحَانَهُ.

اعْلَمْ أَنَّ مَنْ مَنَعَ أَكْلَ لَحْمِ الْخَيْلِ احْتَجَّ بِآيَةٍ وَحَدِيثٍ:

أَمَّا الْآيَةُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً الْآيَةَ [١٦ \ ٨] ، فَقَالَ: قَدْ قَالَ تَعَالَى: وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [١٦ \ ٥] ، فَهَذِهِ لِلْأَكْلِ، وَقَالَ: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا، فَهَذِهِ لِلرُّكُوبِ لَا لِلْأَكْلِ، وَهَذَا تَفْصِيلُ مَنْ خَلَقَهَا وَامْتَنَّ بِهَا، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِأُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ خَلَقَهَا لَكُمْ لِعِلَّةِ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ تُفِيدُ الْحَصْرَ، فَإِبَاحَةُ أَكْلِهَا تَقْتَضِي خِلَافَ ظَاهِرِ الْآيَةِ.

ثَانِيهَا: عَطَفَ الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ عَلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاكِهَا مَعَهُمَا فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ.

ثَالِثُهَا: أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ سِيقَتْ لِلِامْتِنَانِ، وَسُورَةُ النَّحْلِ تُسَمَّى سُورَةَ الِامْتِنَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>