للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَكِيمُ لَا يَمْتَنُّ بِأَدْنَى النِّعَمِ، وَيَتْرُكُ أَعْلَاهَا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِالْأَكْلِ فِي الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهَا.

رَابِعُهَا: لَوْ أُبِيحَ أَكْلُهَا لَفَاتَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهَا فِيمَا وَقَعَ بِهِ الِامْتِنَانُ مِنَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ: فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ".

وَرَدَّ الْجُمْهُورُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، بِأَنَّ آيَةَ النَّحْلِ نَزَلَتْ فِي مَكَّةَ اتِّفَاقًا، وَالْإِذْنُ فِي أَكْلِ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ سِتِّ سِنِينَ، فَلَوْ فَهِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْعَ مِنَ الْآيَةِ لَمَا أَذِنَ فِي الْأَكْلِ، وَأَيْضًا آيَةُ النَّحْلِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي مَنْعِ أَكْلِ الْخَيْلِ، بَلْ فُهِمَ مِنَ التَّعْلِيلِ، وَحَدِيثِ جَابِرٍ، وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا، كِلَاهُمَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ أَكْلِ الْخَيْلِ، وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

وَأَيْضًا فَالْآيَةُ عَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ دَلَالَتِهَا الْمَذْكُورَةِ، فَهِيَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْأَكْلِ، وَالتَّرْكُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ، أَوْ خِلَافِ الْأَوْلَى، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْهَا بَقِيَ التَّمَسُّكُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْجَوَازِ.

وَأَيْضًا فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ، لَمْ نُسَلِّمْ إِفَادَةَ الْحَصْرِ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ. فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْخَيْلِ فِي غَيْرِهِمَا، وَفِي غَيْرِ الْأَكْلِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرُّكُوبَ وَالزِّينَةَ ; لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ مَا تُطْلَبُ لَهُ الْخَيْلُ.

وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ الْبَقَرَةِ الْمَذْكُورُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " حِينَ خَاطَبَتْ رَاكِبَهَا فَقَالَتْ: " إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ "، فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ أَصْرَحَ فِي الْحَصْرِ، لَمْ يُقْصَدْ بِهِ إِلَّا الْأَغْلَبُ، وَإِلَّا فَهِيَ تُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ الْحَرْثِ اتِّفَاقًا.

وَأَيْضًا فَلَوْ سُلِّمَ الِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ لَلَزِمَ مَنْعُ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لِلْحَصْرِ الْمَزْعُومِ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ.

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِعَطْفِ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ عَلَيْهَا، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِدَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ، وَقَدْ ضَعَّفَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ " بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]

أَمَّا قِرَانُ اللَّفْظِ فِي الْمَشْهُورِ فَلَا يُسَاوِي فِي سِوَى الْمَذْكُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>