وَأَمَّا الضَّبُّ: فَالتَّحْقِيقُ أَيْضًا جَوَازُ أَكْلِهِ ; لِمَا ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُوا أَوْ أَطْعِمُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ» ، وَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي» ، يَعْنِي الضَّبَّ، وَلِمَا ثَبَتَ أَيْضًا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ أَكَلَ ضَبًّا فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إِلَيْهِ» ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ صَاحِبِ «الْبَيَانِ» عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِتَحْرِيمِ الضَّبِّ.
وَنُقِلَ فِي «الْمُغْنِي» عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، وَالثَّوْرِيِّ تَحْرِيمَ الضَّبِّ، وَنُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ النَّهْيُ عَنْهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ لِتَحْرِيمِهِ مُسْتَنَدًا، إِلَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي «الصَّحِيحِ» مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُتِيَ بِضَبٍّ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ» قَالَ: «إِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ الْقُرُونِ الْأُولَى الَّتِي مُسِخَتْ» ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ نَحْوَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، فَكَأَنَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَّلَ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ بِاحْتِمَالِ الْمَسْخِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُنْهَشُ، فَأَشْبَهَ ابْنَ عُرْسٍ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ الْأَدِلَّةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا بِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ، وَكَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الضَّبَّ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي مُسِخَتْ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: [الرَّجَزُ]
قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُلًا فَطِينَا ... هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ إِسْرَائِينَا
فَإِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَقْسَمَتْ عَلَى أَنَّ الضَّبَّ إِسْرَائِيلِيٌّ مُسِخَ.
وَأَمَّا الْجَرَادُ: فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّهُ قَالَ: " غَزْونَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ ". اهـ.
وَمَيْتَةُ الْجَرَادِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ حَلَّالٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ; لِحَدِيثِ " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ " الْحَدِيثَ.
وَخَالَفَ مَالِكٌ الْجُمْهُورَ، فَاشْتَرَطَ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ ذَكَاتَهُ، وَذَكَاتُهُ عِنْدَهُ مَا يَمُوتُ بِهِ بِقَصْدِ الذَّكَاةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيِّ فِي " مُخْتَصَرِهِ ": وَافْتَقَرَ نَحْوُ الْجَرَادِ لَهَا بِمَا يَمُوتُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُعَجَّلْ كَقَطْعِ جَنَاحٍ.
وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِعَدَمِ ثُبُوتِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ: " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ "، الْحَدِيثَ ; لِأَنَّ طُرُقَهُ لَا تَخْلُو مِنْ ضَعْفٍ فِي الْإِسْنَادِ، أَوْ وَقْفٍ، وَالْأَصْلُ الِاحْتِيَاجُ إِلَى الذَّكَاةِ ; لِعُمُومِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [٥ \ ٣] ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ مَا نَصُّهُ: " وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute