أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطُّحَالُ "، وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أُسَامَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قُلْتُ: وَثَلَاثَتُهُمْ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ أَصْلَحُ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ أَحَدُ الْأَثْبَاتِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. اهـ مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: لَكِنْ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الرِّوَايَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْهُ صَحِيحَةٌ، وَلَهَا حُكْمُ الرَّفْعِ ; لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ: أُحِلَّ لَنَا، أَوْ حُرِّمَ عَلَيْنَا، لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ، وَلَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ، إِلَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَأَشَارَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " إِلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ لَهَا حُكْمُ الرَّفْعِ، كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَهُوَ دَلِيلٌ لَا لَبْسَ فِيهِ عَلَى إِبَاحَةِ مَيْتَةِ الْجَرَادِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ.
وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: لَمْ يَصِحَّ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا، وَمَيْتَةُ الْجَرَادِ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الْآيَةَ [٥ \ ٣] ، وَافْتِقَارُ الْجَرَادِ إِلَى الذَّكَاةِ بِمَا يَمُوتُ بِهِ، كَقَطْعِ رَأْسِهِ بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، أَوْ صَلْقِهِ، أَوْ قَلْيِهِ.
كَذَلِكَ رِوَايَةٌ أَيْضًا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، نَقَلَهَا عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَ " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ "، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الطَّيْرُ: فَجَمِيعُ أَنْوَاعِهِ مُبَاحَةُ الْأَكْلِ إِلَّا أَشْيَاءَ مِنْهَا، اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ.
فَمِنْ ذَلِكَ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَصْطَادُ: كَالصَّقْرِ، وَالشَّاهِينِ، وَالْبَازِي، وَالْعُقَابِ، وَالْبَاشِقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَدَلِيلُهُمْ ثُبُوتُ النَّهْيِ عَنْهُ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ: إِبَاحَةُ أَكْلِ ذِي الْمِخْلَبِ مِنَ الطَّيْرِ ; لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute