للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ: «حَرَامٌ قَلِيلُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ» ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. اه. بِوَاسِطَةِ نَقْلِ الْمُجِدِّ فِي (مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ) .

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا لَبْسَ مَعَهَا فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فِي فَتْحِ الْبَارِي) فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» ، مَا نَصُّهُ: فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مِثْلُهُ، وَسَنَدُهُ إِلَى عَمْرٍو صَحِيحٌ. وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» ، وَلِابْنِ حِبَّانَ وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ» ، وَقَدِ اعْتَرَفَ الطَّحَاوِيُّ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ - إِلَى أَنْ قَالَ: وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالطَّبَرَانِيِّ، وَعَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالطَّبَرَانِيِّ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ ; لَكِنَّهَا تَزِيدُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي قَبْلَهَا قُوَّةً وَشُهْرَةً.

قَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ (وَكَانَ حَنَفِيًّا فَتَحَوَّلَ شَافِعِيًّا) : ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ.

ثُمَّ سَاقَ كَثِيرًا مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَلَا مَسَاغَ لِأَحَدٍ فِي الْعُدُولِ عَنْهَا وَالْقَوْلِ بِخِلَافِهِ ; فَإِنَّهَا حُجَجٌ قَوَاطِعُ. قَالَ: وَقَدْ زَلَّ الْكُوفِيُّونَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَرَوَوْا فِيهِ أَخْبَارًا مَعْلُولَةً، لَا تُعَارِضُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ بِحَالٍ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ مُسْكِرًا فَقَدْ دَخَلَ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَبَاءَ بِإِثْمٍ كَبِيرٍ. وَإِنَّمَا الَّذِي شَرِبَهُ كَانَ حُلْوًا وَلَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا. وَقَدْ رَوَى ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيُّ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيذِ؟ فَدَعَتْ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً فَقَالَتْ: سَلْ هَذِهِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتِ الْحَبَشِيَّةُ: كُنْتُ أَنْبِذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَأُوكِثُهُ وَأُعَلِّقُهُ فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَرَوَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. ثُمَّ قَالَ: فَقِيَاسُ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ وَالِاضْطِرَابِ مِنْ أَجَلِّ الْأَقْيِسَةِ وَأَوْضَحِهَا، وَالْمَفَاسِدُ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْخَمْرِ تُوجَدُ فِي النَّبِيذِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَعَلَى الْجُمْلَةِ، فَالنُّصُوصُ الْمُصَرِّحَةُ بِتَحْرِيمِ كُلِّ مُسْكِرٍ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - مُغْنِيَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: لَا يَصِحُّ فِي حِلِّ النَّبِيذِ الَّذِي يُسْكِرُ كَثِيرُهُ عَنِ الصَّحَابَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>