للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ لِخَلْقِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مِنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ؟ ! قَالَ: لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهَا! أَمَا قَرَأْتِ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [٥٩ \ ٧] ،؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ بُرْجَانَ: مَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فِيهِ أَصْلُهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، فَهِمَهُ مَنْ فَهِمَ، أَوْ عَمِهَ عَنْهُ مَنْ عَمِهَ، وَكَذَا كُلُّ مَا حَكَمَ أَوْ قَضَى بِهِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنَ الْقُرْآنِ لِمَنْ فَهَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ; حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَنْبَطَ عُمُرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِنْ قَوْلِهِ «فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ» : وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [٦٣ \ ١١] ; فَإِنَّهَا رَأْسُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سُورَةٍ، وَعَقَّبَهَا «بِالتَّغَابُنِ» ، لِيُظْهِرَ التَّغَابُنَ فِي فَقْدِهِ.

وَقَالَ الْمُرْسِيُّ: جَمَعَ الْقُرْآنُ عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، بِحَيْثُ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا حَقِيقَةً إِلَّا الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خَلَا مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ وَرِثَ عَنْهُ مُعْظَمَ ذَلِكَ سَادَاتُ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَامُهُمْ ; مِثْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَمِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى قَالَ: لَوْ ضَاعَ لِي عِقَالُ بَعِيرٍ لَوَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ. ثُمَّ وَرِثَ عَنْهُمُ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، ثُمَّ تَقَاصَرَتِ الْهِمَمُ، وَفَتَرَتِ الْعَزَائِمُ، وَتَضَاءَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَضَعُفُوا عَنْ حَمْلِ مَا حَمَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْ عُلُومِهِ وَسَائِرِ فُنُونِهِ ; فَنَوَّعُوا عُلُومَهُ، وَقَامَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ بِفَنٍّ مِنْ فُنُونِهِ.

فَاعْتَنَى قَوْمٌ بِضَبْطِ لُغَاتِهِ، وَتَحْرِيرِ كَلِمَاتِهِ، وَمَعْرِفَةِ مَخَارِجِ حُرُوفِهِ وَعَدَدِهَا، وَعَدِّ كَلِمَاتِهِ وَآيَاتِهِ، وَسُوَرِهِ وَأَجْزَائِهِ، وَأَنْصَافِهِ وَأَرْبَاعِهِ، وَعَدَدِ سَجَدَاتِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَصْرِ الْكَلِمَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَالْآيَاتِ الْمُتَمَاثِلَةِ. مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعَانِيهِ، وَلَا تَدَبُّرٍ لِمَا أُوُدِعَ فِيهِ. فَسُمُّوا الْقُرَّاءَ.

وَاعْتَنَى النُّحَاةُ بِالْمُعْرَبِ مِنْهُ وَالْمَبْنِيِّ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ، وَالْحُرُوفِ الْعَامِلَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَوْسَعُوا الْكَلَامَ فِي الْأَسْمَاءِ وَتَوَابِعِهَا، وَضُرُوبِ الْأَفْعَالِ، وَاللَّازِمِ وَالْمُتَعَدِّي، وَرُسُومِ خَطَّ الْكَلِمَاتِ، وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ; حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ أَعْرَبَ مُشْكَلَهُ. وَبَعْضُهُمْ أَعْرَبَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>