للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاعْتَنَى الْمُفَسِّرُونَ بِأَلْفَاظِهِ، فَوَجَدُوا مِنْهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ، وَلَفْظًا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرِ ; فَأَجْرَوْا الْأَوَّلَ: عَلَى حُكْمِهِ، وَأَوْضَحُوا الْخَفِيَّ مِنْهُ، وَخَاضُوا إِلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ مُحْتَمَالَاتِ ذِي الْمَعْنَيَيْنِ أَوِ الْمَعَانِي، وَأَعْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِكْرَهُ، وَقَالَ بِمَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ.

وَاعْتَنَى الْأُصُولِيُّونَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالشَّوَاهِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ ; مِثْلُ قَوْلِهِ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [٢١ \ ٢٢] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ ; فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ أَدِلَّةً عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَوُجُودِهِ، وَبَقَائِهِ وَقِدَمِهِ، وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ ; وَسَمَّوْا هَذَا الْعِلْمَ بِ «، أُصُولِ الدِّينِ» .

وَتَأَمَّلَتْ طَائِفَةٌ مَعَانِيَ خِطَابِهِ ; فَرَأَتْ مِنْهَا مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَمِنْهَا مَا يَقْتَضِي الْخُصُوصَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ; فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ أَحْكَامَ اللُّغَةِ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَتَكَلَّمُوا فِي التَّخْصِيصِ وَالْإِضْمَارِ، وَالنَّصِّ وَالظَّاهِرِ، وَالْمُجْمَلِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ، وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّسْخِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ، وَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَالِاسْتِقَرَاءِ ; وَسَمَّوْا هَذَا الْفَنَّ «أُصُولَ الْفِقْهِ» .

وَأَحْكَمَتْ طَائِفَةٌ صَحِيحَ النَّظَرِ، وَصَادِقَ الْفِكْرِ فِيمَا فِيهِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، فَأَسَّسُوا أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ، وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بَسْطًا حَسَنًا ; وَسَمَّوْهُ بِ «عِلْمِ الْفُرُوعِ» وَبِ «، الْفِقْهِ أَيْضًا» .

وَتَلَمَّحَتْ طَائِفَةٌ مَا فِيهِ مِنْ قَصَصِ الْقُرُونِ السَّابِقَةِ، وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَنَقَلُوا أَخْبَارَهُمْ، وَدَوَّنُوا آثَارَهُمْ وَوَقَائِعَهُمْ. حَتَّى ذَكَرُوا بَدْءَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلَ الْأَشْيَاءِ ; وَسَمَّوْا ذَلِكَ بِ «التَّارِيخِ وَالْقَصَصِ» .

وَتَنَبَّهَ آخَرُونَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ، وَالْمَوَاعِظِ الَّتِي تُقَلْقِلُ قُلُوبَ الرِّجَالِ، وَتَكَادُ تُدَكْدِكُ الْجِبَالَ ; فَاسْتَنْبَطُوا مِمَّا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالتَّحْذِيرِ وَالتَّبْشِيرِ، وَذِكْرِ الْمَوْتِ وَالْمَعَادِ، وَالنَّشْرِ وَالْحَشْرِ، وَالْحِسَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فُصُولًا مِنَ الْمَوَاعِظِ، وَأُصُولًا مِنَ الزَّوَاجِرِ. فَسُمُّوا بِذَلِكَ «الْخُطَبَاءَ وَالْوُعَّاظَ» .

وَاسْتَنْبَطَ قَوْمٌ مِمَّا فِيهِ مِنْ أُصُولِ التَّعْبِيرِ ; مِثْلَ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: مِنَ الْبَقَرَاتِ السِّمَانِ، وَفِي مَنَامَيْ صَاحِبَيِ السِّجْنِ، وَفِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ سَاجِدَاتٍ، وَسَمَّوْهُ «تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا» ; وَاسْتَنْبَطُوا تَفْسِيرَ كُلِّ رُؤْيَا مِنَ الْكِتَابِ، فَإِنْ عَزَّ عَلَيْهِمْ إِخْرَاجُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>