يصوم النهار ويقوم الليل، فكنت أعبد كعبادته، فلبثت عنده ثلاث سنين ثم توفي، فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: ما أعلم أحدًا من أهل المشرق على ما أنا عليه، فعليك براهب وراء الجزيرة فأقرئه مني السلام، قال: فجئته فأقرأته منه السلام، وأخبرته أنه قد توفي، فمكثت عنده أيضًا ثلاث سنين، ثم توفي، فقلت: إلى من تأمرني أن أذهب؟ قال: ما أعلم أحدًا من أهل الأرض على ما أنا عليه غير راهب بعمروية شيخ كبير، وما أراك تلحقه أم لا، فذهبت إليه فكنت عنده، فإذا رجل موسع عليه، فلما حضرته الوفاة قلت له: أين تأمرني أن أذهب؟ قال: ما أعلم أحدًا من أهل الأرض على ما أنا عليه، ولكن إن أدركت زمانًا تسمع برجل يخرج من بيت إبراهيم وما أراك تدركه وقد كنت أرجو أن أدركه، فإن استطعت أن تكون معه فافعل فإنه الدين، وأمارة ذلك أن قومه يقولون: ساحر مجنون كاهن، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وأن عند غضروف كتفه خاتم النبوة، قال: فبينا أنا كذلك حتى أتت عير من نحو المدينة، فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن من أهل المدينة، ونحن قوم تجار نعيش بتجارتنا، ولكنه قد خرج رجل من أهل بيت إبراهيم فقدم علينا وقومه يقاتلونه، وقد خشينا أن يحول بيننا وبين تجارتنا، ولكنه قد ملك المدينة. قال: فقلت: ما تقولون فيه؟ قال: نقول: ساحر مجنون كاهن، فقلت: هذه الأمارة، دلوني على صاحبكم، فجئته. فقلت: تحملني إلى المدينة، فقال: ما تعطيني؟ قلت: ما أجد شيئا أعطيك غير أني لك عبد، فحملني، فلما قدمتا جعلني في نخله. فكنت أسقي كما تسقي البعير حتى دبر ظهري وصدرى من ذلك، ولا أجد أحدم يفقه كلامي حتى جاءت عجور فارسية تسقي، فكلمتها ففهمت كلامي، فقلت لها: أين الرجل الذي خرج دليني عليه؟ قالت: سيمر عليك بكرة إذا صلى الصبح من أول النهار، فخرجت فجمعت تمرًا، فلما أصبحت جئته فقربت إليه التمر، فقال:"ما هذا صدقة أم هدية؟ " فأشرت إليه أنه صدقة. فقال:"انطلق إلى هؤلاء" وأصحابه عنده، فأكلوا ولم يأكل، فقلت: هذه الأمارة، فلما كان الغد جئت بتمر فقال:"ما هذا؟ " فقلت: هذه هدية، فأكل ودعا أصحابه فأكلوا، ثم رآني أتعرض لأنظر إلى الخاتم فعرف، فألقى رداءه، فجعلت أقبله وألتزمه، فقال:"ما شأنك؟! فسألني فأخبرته خبري، فقال: "أشترطت لهم أنك عبد فاشتر نفسك منهم" فاشتراه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يحيى له ثلثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهبًا،