التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ ﵎ ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] وَالذَّبْحُ مُضْمَرٌ فِيهِ مَعْنَاهُ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الذَّبَائِحِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّبِيحَةِ إلَّا وَقْتَ الذَّبْحِ وَكَذَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ: إنَّ الذَّبْحَ مُضْمَرٌ فِيهِمَا أَيْ: فَكُلُوا مِمَّا ذُبِحَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُبِحَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكَانَ وَقْتُ التَّسْمِيَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَقْتَ الذَّبْحِ.
(وَأَمَّا) الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيَّةُ فَوَقْتُهَا وَقْتُ الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ لَا وَقْتُ الْإِصَابَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﵊ «لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ﵁ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ وَالْكَلْبِ إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى الْمِعْرَاضِ وَالْكَلْبِ وَلَا تَقَعُ التَّسْمِيَةُ عَلَى السَّهْمِ وَالْكَلْبِ إلَّا عِنْدَ الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ فَكَانَ وَقْتُ التَّسْمِيَةِ فِيهَا هُوَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ، وَالْمَعْنَى هَكَذَا يَقْتَضِي وَهُوَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ وَالشَّرَائِطُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا حَالَ وُجُودِ الرُّكْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِهَا يَصِيرُ الرُّكْنُ عِلَّةً كَمَا فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ مَعَ شَرَائِطِهَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَالرُّكْنُ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ هُوَ الذَّبْحُ وَفِي الِاضْطِرَارِيَّةِ هُوَ الْجَرْحُ وَذَلِكَ مُضَافٌ إلَى الرَّامِي وَالْمُرْسِلِ وَإِنَّمَا السَّهْمُ وَالْكَلْبُ آلَةُ الْجَرْحِ وَالْفِعْلُ يُضَافُ إلَى مُسْتَعْمِلِ الْآلَةِ لَا إلَى الْآلَةِ لِذَلِكَ اُعْتُبِرَ وُجُودُ التَّسْمِيَةِ وَقْتَ الذَّبْحِ وَالْجَرْحِ وَهُوَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ وَلَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِصَابَةِ فِي الذَّكَاةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِ الْعَبْدِ لَا مُبَاشَرَةً وَلَا سَبَبًا بَلْ مَحْضُ صُنْعِ اللَّهِ ﷿ يَعْنِي بِهِ مَصْنُوعَهُ، هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْمُتَوَلِّدَاتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ الْعَبْدِ، وَمَقْدُورُ الْعَبْدِ مَا يَقُومُ بِمَحَلِّ قُدْرَتِهِ وَهُوَ نَفْسُهُ وَذَلِكَ هُوَ الرَّمْيُ السَّابِقُ وَالْإِرْسَالُ السَّابِقُ فَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُمَا عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ قَدْ تَكُونُ وَقَدْ لَا تَكُونُ فَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا وَسَمَّى ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَرْسَلَهَا وَأَضْجَعَ أُخْرَى فَذَبَحَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ وَلَا تُؤْكَلُ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَسَمَّى فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ آخَرَ فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَ فَأَخَذَ غَيْرَ الَّذِي أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى السَّهْمِ وَالْكَلْبِ عِنْدَ الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْتَ الذَّابِحَ يَذْبَحُ الشَّاتَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَيُسَمِّي عَلَى الْأُولَى وَيَدَعُ التَّسْمِيَةَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَمْدًا قَالَ: يَأْكُلُ الشَّاةَ الَّتِي سَمَّى عَلَيْهَا وَلَا يَأْكُلُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا وَسَمَّى عَلَيْهَا ثُمَّ أَلْقَى السِّكِّينَ وَأَخَذَ سِكِّينًا آخَرَ فَذَبَحَ بِهِ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ تَقَعُ عَلَى الْمَذْبُوحِ لَا عَلَى الْآلَةِ وَالْمَذْبُوحُ وَاحِدٌ فَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْآلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّكَاةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ تَقَعُ عَلَى السَّهْمِ لَا عَلَى الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّهْمُ فَالتَّسْمِيَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ تَسْمِيَةً عَلَى الْآخَرِ.
وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا وَسَمَّى عَلَيْهَا فَكَلَّمَهُ إنْسَانٌ فَأَجَابَهُ أَوْ اسْتَسْقَى مَاءً فَشَرِبَ أَوْ أَخَذَ السِّكِّينَ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ ذَبَحَ عَلَى تِلْكَ التَّسْمِيَةِ تُؤْكَلُ وَإِنْ تَحَدَّثَ وَأَطَالَ الْحَدِيثَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ أَوْ حَدَّ شَفْرَتَهُ أَوْ كَانَتْ الشَّاةُ قَائِمَةً فَصَرَعَهَا ثُمَّ ذَبَحَ لَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ زَمَانَ مَا بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالذَّبْحِ إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَيُلْحَقُ بِالْعَدَمِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ سَمَّى مَعَ الذَّبْحِ وَإِذَا كَانَ طَوِيلًا يَقَعُ فَاصِلًا بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالذَّبْحِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ سَمَّى فِي يَوْمٍ وَذَبَحَ فِي يَوْمٍ آخَرَ فَلَمْ تُوجَدْ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ مُتَّصِلَةً بِهِ.
وَلَوْ سَمَّى ثُمَّ انْقَلَبَتْ الشَّاةُ وَقَامَتْ مِنْ مَضْجَعِهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى مَضْجَعِهَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ التَّسْمِيَةُ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا رَمَى صَيْدًا وَلَمْ يُسَمِّ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ مُتَعَمِّدًا فَلَمَّا مَضَى الْكَلْبُ فِي تَبَعِ الصَّيْدِ سَمَّى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ وَكَذَا لَوْ مَضَى الْكَلْبُ إلَى الصَّيْدِ فَزَجَرَهُ وَسَمَّى وَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ إنَّهُ لَا يُؤْكَلُ أَيْضًا، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اتَّبَعَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ أَحَدٌ ثُمَّ زَجَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ إنْ انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ فَأَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ لَا يُؤْكَلُ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ رَمَى أَوْ أَرْسَلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ كَانَ حَلَالًا فَأَحْرَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَأَخَذَ الصَّيْدَ يَحِلُّ وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ وَسَمَّى لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ