يَعْلَمُ أَنَّهَا تَعِيشُ مَعَ ذَلِكَ فَذَبَحَهَا تُؤْكَلُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إنْ كَانَ لَهَا مِنْ الْحَيَاةِ مِقْدَارُ مَا تَعِيشُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَذَبَحَهَا تُؤْكَلُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: إنْ كَانَ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَيَاتِهَا إلَّا قَدْرُ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ أَوْ أَقَلُّ فَذَبَحَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تُؤْكَلُ، وَذَكَر الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُفَسَّرًا فَقَالَ: إنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهَا إلَّا الِاضْطِرَابَ لِلْمَوْتِ فَذَبَحَهَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ مُدَّةً كَالْيَوْمِ أَوْ كَنِصْفِهِ حَلَّتْ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا كَانَتْ مَيْتَةً مَعْنًى فَلَا تَلْحَقُهَا الذَّكَاةُ كَالْمَيْتَةِ حَقِيقَةً، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵁ قَوْله تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] اسْتَثْنَى ﷾ الْمُذَكَّى مِنْ الْجُمْلَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ وَهَذِهِ مُذَكَّاةٌ لِوُجُودِ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ مَعَ قِيَامِ الْحَيَاةِ فَدَخَلَتْ تَحْتَ النَّصِّ.
وَأَمَّا الصَّيْدُ إذَا جَرَحَهُ السَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ حَيًّا فَإِنْ ذَكَّاهُ يُؤْكَلُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا كَيْفَ مَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَخَرَجَ الْجُرْحُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَاةً فِي حَقِّهِ وَصَارَ ذَكَاتُهُ الذَّبْحَ فِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ ذَكَاةً مُطْلَقَةً فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ ذَكَاتُهُ الذَّبْحُ وَقَدْ وُجِدَ لِوُجُودِ أَصْلِ الْحَيَاةِ فَصَارَ مُذَكًّى، وَعَلَى أَصْلِهِمَا لَا حَاجَةَ إلَى الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُذَكًّى بِالْجُرْحِ فَالذَّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ إنْ كَانَ لَا يَنْفَعُ وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ تَحَوَّلَتْ مِنْ الْجُرْحِ إلَى الذَّبْحِ فَإِذَا لَمْ يُذْبَحْ كَانَ مَيْتَةً وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ يُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ وَإِنْ قَلَّتْ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْنَسِ عِنْدَهُ، وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الرَّمْيَ وَالْإِرْسَالَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْجُرْحُ كَانَ ذَكَاةً فِي الصَّيْدِ فَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْحَيَاةُ بَعْدَ وُجُودِ الذَّكَاةِ وَلَمْ تَتَقَوَّمْ ذَكَاةٌ فِي الْمُسْتَأْنَسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْحَيَاةِ لِتَحَقُّقِ الذَّكَاةِ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَكَذَلِكَ لَكِنْ عَلَى اخْتِلَافِ تَفْسِيرِهِمَا لِلْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَغَيْرِ الْمُسْتَقِرَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُسْتَأْمَنِ هَكَذَا ذَكَرَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ﵏، وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ ﵀ وَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي الصَّيْدِ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي الْمُسْتَأْنَسِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: يَجِبُ الذَّبْحُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَا يَحِلُّ بِدُونِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةً أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ لَهُ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ﵏.
وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ لِعَدَمِ آلَةِ الذَّكَاةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُؤْكَلُ اسْتِحْسَانًا أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْحُرْمَةِ قِيَاسٌ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا ﵏ مَنْ جَعَلَ جَوَابَ الِاسْتِحْسَانِ مَذْهَبَنَا أَيْضًا وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا لِزَوَالِ مَعْنَى الصَّيْدِ وَهُوَ التَّوَحُّشُ وَالِامْتِنَاعُ فَيَزُولُ الْحُكْمُ الْمُخْتَصُّ بِالصَّيْدِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْجُرْحِ ذَكَاةً وَصَارَ كَالشَّاةِ إذَا مَرِضَتْ وَمَاتَتْ فِي وَقْتٍ لَا يَتَّسِعُ لِذَبْحِهَا أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ كَذَا هَذَا.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الذَّبْحَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الذَّكَاةِ وَإِنَّمَا يُقَامُ الْجُرْحُ مَقَامَهُ خَلَفًا عَنْهُ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطٌ بِخِلَافِهِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْأَصْلِ فَيُقَامُ الْخَلَفُ مَقَامَهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَخْلَافِ مَعَ أُصُولِهَا، وَقَالَ أَصْحَابُنَا ﵏ لَوْ جَرَحَهُ السَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ فَأَدْرَكَهُ لَكِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَوْ أَخَذَهُ يُمْكِنُهُ ذَبْحُهُ فَلَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَخَرَجَ الْجُرْحُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَاةً، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَبْحُهُ أَكَلَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَبْحِهِ لَوْ أَخَذَهُ بَقِيَ ذَكَاتُهُ الْجُرْحُ السَّابِقُ، وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ جَوَابَ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ سِوَى أَنَّ هُنَاكَ أَخَذَ وَهَهُنَا لَمْ يَأْخُذْ، وَمَا يَصْنَعُ بِالْأَخْذِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ؟ وَجَوَابُ الْقِيَاسِ عَنْ هَذَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ وَالتَّمَكُّنِ لَا عِبْرَةَ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّبْحِ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لِهِدَايَتِهِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ وَالتَّمَكُّنِ فَيُقَامُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْيَدِ مَقَامَهَا كَمَا فِي السَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ ﵀ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ شَاةً نِصْفَيْنِ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا فَرَى أَوْدَاجَهَا وَالرَّأْسُ يَتَحَرَّكُ أَوْ شَقَّ بَطْنَهَا فَأَخْرَجَ مَا فِي جَوْفِهَا وَفَرَى رَجُلٌ آخَرُ الْأَوْدَاجَ فَإِنَّ هَذَا لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ