للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلَ قَاتِلٌ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ الضَّرْبَةُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ لَمْ تُؤْكَلْ الشَّاةُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أُكِلَتْ؛ لِأَنَّ الْعُرُوقَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الذَّبْحِ مُتَّصِلَةٌ مِنْ الْقَلْبِ إلَى الدِّمَاغِ فَإِذَا كَانَتْ الضَّرْبَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ فَقَدْ قَطَعَهَا فَحَلَّتْ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ فَلَمْ يَقْطَعْهَا فَلَمْ تَحِلَّ.

وَأَمَّا خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ الذَّبْحِ فِيمَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فَهَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ؟ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا التَّحَرُّكُ بَعْدَ الذَّبْحِ هَلْ هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْحِلِّ؟ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَصْحَابِنَا وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ: إمَّا التَّحَرُّكُ، وَإِمَّا خُرُوجُ الدَّمِ.

فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَا يَحِلُّ كَأَنَّهُ جَعَلَ وُجُودَ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الذَّبْحِ عَلَامَةَ الْحَيَاةِ وَقْتَ الذَّبْحِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَقْتَ الذَّبْحِ فَلَا يَحِلُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ عُلِمَ حَيَّاتُهُ وَقْتَ الذَّبْحِ بِغَيْرِ التَّحَرُّكِ يَحِلُّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بَعْدَ الذَّبْحِ وَلَا خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) مَا يَخُصُّ الذَّكَاةَ الِاضْطِرَارِيَّةَ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَيَكُونُ مَيْتَةً سَوَاءٌ كَانَ الْمُذَكِّي مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا؛ لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِصَيْدِ الْحَرَمِ بِالْقَتْلِ وَالدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ مُحَرَّمٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧] وَقَالَ النَّبِيُّ فِي صِفَةِ الْحَرَمِ: «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» وَالْفِعْلُ فِي الْمُحَرَّمِ شَرْعًا لَا يَكُونُ ذَكَاةً وَسَوَاءٌ كَانَ مَوْلِدُهُ الْحَرَمَ أَوْ دَخَلَ مِنْ الْحِلِّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَى الْحَرَمِ فِي الْحَالَيْنِ فَيَكُونُ صَيْدَ الْحَرَمِ.

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى آلَةِ الذَّكَاةِ.

(فَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ مَا يُصْطَادُ بِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ ذِي النَّابِ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي الْمِخْلَبِ مِنْ الطَّيْرِ مُعَلَّمًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ [المائدة: ٤] مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة: ٤] أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ أَيْ الِاصْطِيَادُ بِمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ كَأَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمْ الِاصْطِيَادُ بِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ أَيْضًا مَعَ مَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْقِصَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ أَتَاهُ نَاسٌ فَقَالُوا: مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ [المائدة: ٤] الْآيَةَ.

فَفِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ اعْتِبَارُ الشَّرْطَيْنِ وَهُمَا الْجُرْحُ وَالتَّعْلِيمُ حَيْثُ قَالَ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ [المائدة: ٤] ؛ لِأَنَّ الْجَوَارِحَ هِيَ الَّتِي تَجْرَحُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجُرْحِ، وَقِيلَ: الْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ [الأنعام: ٦٠] أَيْ كَسَبْتُمْ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ؛ لِأَنَّهَا بِالْجِرَاحَةِ تَكْسِبُ وقَوْله تَعَالَى ﴿مُكَلِّبِينَ﴾ [المائدة: ٤] قُرِئَ بِالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ، وَقِيلَ: بِالْخَفْضِ صَاحِبُ الْكَلْبِ يُقَالُ: كَلَّابٌ وَمُكَلِّبٌ، وَبِالنَّصْبِ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ، وَقِيلَ: الْمُكَلِّبَيْنِ بِالْخَفْضِ الْكِلَابُ الَّتِي يُكَالِبْنَ الصَّيْدَ أَيْ يَأْخُذْنَهُ عَنْ شِدَّةٍ فَالْكَلْبُ هُوَ الْآخِذُ عَنْ شِدَّةٍ، وَمِنْهُ الْكَلُّوبُ لِلْآلَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ بِهَا الْحَدِيدُ، وَقَوْلُهُ: جَلَّتْ عَظَمَتُهُ ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ [المائدة: ٤] أَيْ تُعَلِّمُونَهُنَّ لَيُمْسِكْنَ الصَّيْدَ لَكُمْ وَلَا يَأْكُلْنَ مِنْهُ وَهَذَا حَدُّ التَّعْلِيمِ فِي الْكَلْبِ عِنْدَنَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَدَلَّتْ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْكَلْبِ مُعَلَّمًا شَرْطٌ لِإِبَاحَةِ أَكْلِ صَيْدِهِ فَلَا يُبَاحُ أَكْلُ صَيْدِ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْكَلْبِ بِالنَّصِّ ثَبَتَ فِي كُلِّ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ كَالْفَهْدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّعَلُّمَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْمُرْسِلِ بِالتَّعْلِيمِ إذْ الْمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِصَاحِبِهِ فَيَأْخُذُ لِصَاحِبِهِ وَيُمْسِكُ عَلَى صَاحِبِهِ فَكَانَ فِعْلُهُ مُضَافًا إلَى صَاحِبِهِ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فَإِنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهِ فَكَانَ فِعْلُهُ مُضَافًا إلَيْهِ لَا إلَى الْمُرْسِلِ لِذَلِكَ شُرِطَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَدِّ التَّعْلِيمِ فِي الْجَوَارِحِ مِنْ ذِي النَّابِ كَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ وَذِي الْمِخْلَبِ كَالْبَازِي وَنَحْوِهِ.

أَمَّا تَعْلِيمُ الْكَلْبِ فَهُوَ أَنَّهُ إذَا أُرْسِلَ اتَّبَعَ الصَّيْدَ وَإِذَا أَخَذَهُ أَمْسَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ : تَعْلِيمُهُ أَنْ يَتْبَعَ الصَّيْدَ إذَا أُرْسِلَ وَيُجِيبَ إذَا دُعِيَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ أَخَذَ صَيْدًا فَأَكَلَ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُؤْكَلُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ إنَّ كَوْنَهُ مُعَلَّمًا إنَّمَا شُرِطَ لِلِاصْطِيَادِ فَيُعْتَبَرُ حَالَةَ الِاصْطِيَادِ وَهِيَ حَالَةُ الِاتِّبَاعِ، فَأَمَّا الْإِمْسَاكُ عَلَى صَاحِبِهِ وَتَرْكُ الْأَكْلِ يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ الِاصْطِيَادِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَدِّ، وَلَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ ﷿ ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤] فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حَدَّ تَعْلِيمِ الْكَلْبِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَلَى صَاحِبِهِ وَتَرْكُ الْأَكْلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ التَّعْلِيمِ ثُمَّ أَبَاحَ أَكْلَ مَا أَمْسَكَ عَلَيْنَا فَكَانَ هَذَا إشَارَةً إلَى أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>