فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ مِقْدَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالَهُ حَيْثُ عَوَّضَهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ جُعِلَتْ أَمْوَالًا مُتَقَوِّمَةً شَرْعًا عِنْدَ دُخُولِهَا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِحُصُولِ الْآدَمِيِّ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ وَصِيَانَةً لَهُ عَنْ الِابْتِذَالِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِتْلَافُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.
وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ يَجِبُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ تَصِحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَبَطَلَتْ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ إلَّا قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَقَعَ عَلَى النِّكَاحِ وَعَلَى إيجَابِ الْمَالِ إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ وَيُؤَثِّرُ فِي إيجَابِ الْمَالِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ أَصْلًا إلَّا أَنَّهَا صَحَّتْ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَوْ أَبْطَلَ هَذَا الْقَدْرَ لَأَثْبَتَهُ ثَانِيًا فَلَمْ يَكُنْ الْإِبْطَالُ مُفِيدًا فَلَمْ يَبْطُلْ لِئَلَّا يَخْرُجَ الْإِبْطَالُ مَخْرَجَ الْعَيْبِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الزِّيَادَةِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا هَذَا إذَا أُكْرِهَ الزَّوْجُ عَلَى النِّكَاحِ، فَأَمَّا إذَا أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ جَازَ النِّكَاحُ وَلَزِمَ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِأَنْ أُكْرِهَتْ عَلَى النِّكَاحِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشْرَةُ آلَافٍ فَزَوَّجَهَا أَوْلِيَاؤُهَا وَهُمْ مُكْرَهُونَ جَازَ النِّكَاحُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْمُكْرِهِ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُكْرِهَ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهَا مَالًا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ بِأَنْفُسِهَا، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُتَقَوِّمَةً بِالْعَقْدِ.
وَالْعَقْدُ قَوَّمَهَا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُكْرِهِ إتْلَافُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ عَلَيْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُكْرِهِ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الشُّهُودِ أَوْلَى، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا فَقَالَ لِلزَّوْجِ: إنْ شِئْت فَكَمِّلْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِلَّا فَنُفَرِّقُ بَيْنَكُمَا، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَ النِّكَاحُ، وَإِنْ أَبَى تَكْمِيلَ مَهْرِ الْمِثْلِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ تَرْضَ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ لَهَا فِي كَمَالِ مَهْرِ مِثْلِهَا حَقًّا؛ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِنُقْصَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَلْحَقُهَا ضَرَرُ الْعَارِ، وَإِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَلَوْ رَضِيَتْ بِالنُّقْصَانِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ دَخَلَ بِهَا عَنْ طَوْعٍ مِنْهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى وَبَطَلَ حَقُّهَا فِي التَّفْرِيقِ لَكِنْ بَقِيَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ التَّفْرِيقِ لِنُقْصَانِ الْمَهْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
وَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا لَزِمَهُ تَكْمِيلُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ اخْتِيَارِ التَّكْمِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ كُفْئًا فَلِلْمَرْأَةِ خِيَارُ التَّفْرِيقِ لِانْعِدَامِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَيْضًا، وَكَذَا الْأَوْلِيَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَعِنْدَهُمَا لَهُمْ خِيَارُ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ إمَّا لَا خِيَارَ لَهُمْ لِنُقْصَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ سَقَطَ أَحَدُ الْخِيَارَيْنِ عَنْهَا يَبْقَى لَهَا حَقُّ التَّفْرِيقِ لِبَقَاءِ الْخِيَارِ الْآخَرِ، وَإِنْ سَقَطَ الْخِيَارَانِ جَمِيعًا فَلِلْأَوْلِيَاءِ خِيَارُ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي خِيَارِ نُقْصَانِ الْمَهْرِ خِلَافٌ عَلَى مَا عُرِفَ حَتَّى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا حَتَّى لَزِمَهُ التَّكْمِيلُ بَطَلَ خِيَارُ النُّقْصَانِ وَبَقِيَ لَهَا عَدَمُ خِيَارِ الْكَفَاءَةِ.
وَلَوْ رَضِيَتْ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَيْضًا صَرِيحًا وَدَلَالَةً بِأَنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ عَلَى طَوْعٍ مِنْهَا سَقَطَ الْخِيَارَانِ جَمِيعًا وَبَطَلَ حَقُّهَا فِي التَّفْرِيقِ أَصْلًا لَكِنْ لِلْأَوْلِيَاءِ الْخِيَارَانِ جَمِيعًا، وَعِنْدَهُمَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ بَلْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ ﵎ ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] عَامًّا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْوَطْءُ وَاللَّمْسُ عَنْ شَهْوَةٍ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ عَنْ شَهْوَةٍ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَعْمَلُ عَلَى النَّوْعَيْنِ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَهَا، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْيَمِينُ وَالنَّذْرُ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً أَوْ حَجًّا أَوْ شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ الْقُرَبِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ فَلِعُمُومَاتِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ الطَّبَائِعِ قَالَ اللَّهُ ﵎ ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩] وَقَالَ ﷾ ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] أَيْ بِالْعُهُودِ، وَلِأَنَّ النَّذْرَ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ ﷾ ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [المجادلة: ٣] وَقَالَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٦] ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٧] ، وَلِأَنَّ هَذِهِ تَصَرُّفَاتٌ قَوْلِيَّةٌ.
وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute