للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى أنه لو ترك اللبس، لم تزل المعصية، وهو مأثم الغصب؟ وليس كذلك ها هنا؛ لأن المعصية تختص السفر، ألا ترى أنه لو ترك السفر، خرج من المعصية؟ وهكذا إذا كان مقيمًا في بلد لفعلِ المعاصي، فإنه يجوز له المسح يومًا وليلة؛ لأن المعصية لا تختص بلبسه، ألا ترى أنه لو ترك اللبس، لم تزل المعصية؟ وأما إذا أنشأ سفرًا مباحًا، ثم صار معصية، فظاهرُ كلام أحمد - رحمه الله -: لا يباح له القصر، وقد قيل: يباح له؛ لأن الرخص تتعلق بالإنشاء، والاستدامة يحصل بها استيفاء الرخصة، فإذا كان الإنشاء مباحًا، تعلق به الاستباحة، وإذا كان معصية، لم يتعلق به، وأما التيمم في سفر المعصية، فيحتمل أن يقول: يتيمم، ويعيد؛ لأن التيمم رخصة السفرُ أوجبها، فهي كالقصر، ويحتمل أن يقول: يصلي بالتيمم، ولا يعيد؛ لأن التيمم إنما وجب عند العجز، وهو عاجز في هذه الحال، وفعل التيمم هو إيجاب عليه، وإثبات عبادة، وليس رخصة، ويفارق هذا: إباحة الميتة؛ لأنه رخصة، وكذلك القصر، فلهذا لم يستبحه لسفر المعصية.

واحتج المخالف: بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} [البقرة: ١٨٤]، ولم يفرق، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة" (١)، وقوله: "يمسح المقيم يومًا


(١) أخرجه أبو داود في كتاب: الصيام، باب: اختيار الفطر، رقم (٢٤٠٨)، والترمذي في كتاب: الصوم، باب: ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع، رقم (٧١٥)، والنسائي في كتاب: الصيام، باب: ذكر وضع =

<<  <  ج: ص:  >  >>