ولأنه إذا صلى قاعدًا، فقد أتى بفرض الستر، وما يقوم مقام القيام، والركوع، والسجود، وهو الإيماء، وإذا صلى قائمًا، فقد أتى بفرض القيام، والركوع، والسجود، من غير أن يأتي بما يقوم مقام الستر، ولأن يأتي بفرض الستر وما يقوم مقام غيره من الفروض أولى من أن يأتي بسائر الفروض، ويترك فرض الستر جملة.
فإن قيل: لا يجوز أن يستر بعض بدنه ببعض، ولهذا يقول: إن من صلى منحلَّ الأزرار، فسدَّ الجيب بلحيته: أنه لا يجوز.
قيل له: عندنا: يجوز أن يستر بعضه ببعض، وقد روى الأثرم عن أحمد - رحمه الله -: أنه سئل عن الرجل يصلي في قميص واحد غير مزرور عليه، ولحيته تغطي، والقميص غير متسع الجيب؟ فقال: إذا كان يسيرًا، فجائز (١).
وظاهر هذا: أن اللحية قد تستر العورة؛ لأنه لم ينكر ذلك على السائل.
فإن قيل: ستر العورة لو كان آكد - على ما ذكره -، لوجب أن يتعين عليه فرضه، ولا يجوز تخييره؛ لأنه إنما يخير بين شيئين متساويين.
قيل له: هكذا نقول: إنه يتعين عليه الجلوس على معنى: أنه يستحب له الجلوس، ويكره له القيام، وقد يقع التخيير بين شيئين، وأحدهما أولى من الآخر؛ كالمسح على الخفين مع الغسل، وعتق الرقبة
(١) ينظر: المغني (٢/ ٢٩٥)، وكذلك الأوسط لابن المنذر (٥/ ٦٣).