قيل له: قوله تعالى: {لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا}[الأنفال: ٣٨] معناه: فإن ينتهوا من الكفر، وإذا أسلم المرتد، فلقد انتهى من الكفر، واعتقاد قضاء ما تركه في حال الكفر ليس من الانتهاء من الكفر في شيء، والذي يدل على ذلك: أن وجوب قضائها مختلف فيه، وهو مما يشرع فيه الاجتهاد، فلا جائز أن يكون شرطًا في إيمانه عن الكفر.
فإن قيل: هذا خطاب لغير المرتدين؛ بدليل: أنه لم يكن في وقت نزول هذه الآية مرتدون، وإنما كانوا كفار الأصل (١)، ويدل عليه: أنه قال: {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}[الأنفال: ٣٨] في وقعة بدر، وهذا يدل على أن المراد: كفار الأصل.
قيل له: الحكم يتعلق بعموم اللفظ دون السبب، واللفظ عام في كفار الأصل، والمرتدين، فوجب حمله على عمومه.
فإن قيل: الغفران يرجع إلى الذنب دون الواجبات؛ بدليل: أنه يقال: أُبرئ من الواجب، ولا يقال: غُفر له، ويدل عليه: أن المرتد إذا أسلم، لا يسقط عنه المطالبة بحقوق الآدميين، وإنما يسقط الذنب والإثم الذي كسبه بالكفر.
قيل له: لو خُلِّينا والظاهر، لقلنا: إن حقوق الآدميين تسقط بالانتهاء، لكن قام دليل الإجماع على أن حقوق الآدميين لا تُغفر، وبقي ما عداه على موجب الظاهر، وقولهم: إن لفظة الغفران لا تستعمل في الواجبات،