تعالى {ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلا إِبْلِيسَ} الآية والتي في سورة بني إسرائيل وسورة الكهف وسورة طه من قوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا} الآية أن سجودَ الملائكة إنما ترتب على الأمر التنجيزيّ الوارد بعد خلقِه وتسويتِه ونفخِ الروحِ فيه ألبتة كما يلوح به حكاية امتث الهم بعبارة السجود دون الوقوعِ الذي به ورد الأمرُ التعليقي ولكن ما في سورة الحِجْرِ من قوله عز وعلا {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة إِنّى خالقٌ بَشَرًا مِّن صلصال مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ ساجدين فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وما في سورة ص من قوله تعالى {إِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة إِنّى خالقٌ بَشَراً من طِينٍ} إلى آخر الآية يستدعيان بظاهرهما ترتُّبَه على ما فيهما من الأمر التعليقيِّ من غيرِ أنْ يتوسَّط بينهما شئ غير ما تُفصحَ عنه الفاءُ الفصيحةٌ من الخلق والتسويةِ ونفخِ الروحِ فيه عليه السلام وقد رُوي عن وهْبٍ أنه كان السجود كما نفخ فيه الروح بلا تأخير وتأويلُ الآيات السابقة يحمل ما فيها من الأمر على حكاية الأمر التلعيقي بعد تحققِ المعلَّقِ به إجمالاً فإنه حينئذ يكون في حكم التنجيز يأباه ما في سُورة الأعرافِ من كلمة ثم المناديةِ بتأخر ورودِ الأمرِ عن التصوير المتأخرِ عن الخلق المتأخر عن الأمر التعليقي والاعتذارُ بحمل التراخي على الرُتبيّ أو التراخي في الإخبار أو بأن الأمرَ التَّعليقيُّ قبل تحققِ المعلَّق به لمّا كان في عدم إيجابِ المأمورِ به بمنزلة العدم جُعل كأنَّه إنَّما حدَث بعد تحقُّقهِ فحُكي على صورةِ التجيز يؤدى بعد اللتيا واللتي إلى أن ما جَرى بينَهُ وبينهم عليهم السلام في شأن الخلافة وما قالوا فيه وما سمعوا إنما جرى بعد السجود المسبوقِ بمعرفة جلالة منزلتِه عليه السلام وخروجِ إبليسَ من البين باللعن الؤبد لعِناده وبعد مشاهدتهم لذلك كله عياناً وهل هو إلا خرقٌ لقضية العقل والنقل والالتجاء في التفصى عنه إلى تأويل نفخِ الروحِ بحمله على ما يعُمُّ إفاضةَ ما به حياةُ النفوس التي من جملتها تعليم السماء تعسف ينبئ عن ضيق المجال فالذي يقتضيِه التحقيقُ ويستدعيهِ النظرُ الأنيقُ بعد التصفح في مستودعات الكتاب المكنونِ والتفحصِ عما فيه من السر المخزون أن سجودَهم له عليه السلام إنما ترتب على الأمر التنجيزيّ المتفرعِ على ظهور فضلِه عليه السلام المبنى على المجاورة المسبوقةِ بالإخبار بخلافته المنتظمِ جميعَ ذلك في سلك ما نِيط به الأمرُ التعليقيُّ من التسوية ونفخِ الروحِ إذ ليس من قضيته وجوبُ السجود عقيبَ نفخِ الروحِ فيه فإن الفاءَ الجزائيةَ ليست بنصَ في وجوب وقوعِ مضمونِ الجزاء عقيبَ وجودِ الشرط من غير تراخٍ للقطع بعدم وجوبِ السعي عقيبَ النداء لقوله تعالى {إِذَا نُودِىَ للصلاة مِن يوم الجمعة فاسعوا} الآية وبعدم وجوب إقامةِ الصلاة غِبَّ الاطمئنانِ لقوله تعالى {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} بل إنما الوجوبُ عند دخول الوقت كيف لا والحكمة الداعية إلى ورود ما نحن فيه من الأمر التعليقيِّ إثرَ ذي أثيرٍ إنما هي حملُ الملائكة عليهم السلام على التأمُّل في شأنه عليه السلام لتدبروا في أحواله طراً ويُحيطوا بما لديه خُبراً ويستفهموا ما عسى يستَبْهم عليهم في أمره عليه السلام لابتنائه على حِكَم أبيّة وأسرارٍ خفية طُويت عن علومهم ويقفوا على جلية الحال قبل ورود الأمر التنجيزي وتحتُّمِ الامتثال وقد قالوا بحسب ذلك ما قالوا وعاينوا ما عاينوا وعدمُ نظمِ الأمر التنجيزيّ في سلك الأمور المذكورةِ في السورتين عند الحكاية لا يستلزمُ عدمَ انتظامِه فيه عند وقوعِ المحكيِّ كما أن عدمَ ذكرِ الأمرِ التعليقي عند حكايةِ الأمرِ التنجيزيِّ