للأول من غير فرقٍ بينهما ألا يُرى إلى ما في الروايةِ الأخيرة من قوله صلى الله عليه وسلم والذال حرف والكاف حرف كيف عبّر عن طَرَفي ذلك باسميها مع كونهما ملفوظين بأنفسهما ولقد روعيَتْ في هذه التسميةِ نُكتةٌ رائعة حيث جُعِلَ كلُ مسمىً لكونه من قبيل الألفاظ صَدْراً لاسمه ليكون هو المفهومَ منه إثرَ ذي أثير خلا أن الألفَ حيث تعذّر الابتداءُ بها استُعيرت مكانها الهمزة وهي مُعرَبة إذ لا مناسبةَ بينها وبين مبنيِّ الأصل لكنها مالم تلِها العواملُ ساكنةُ الأعجاز على الوقف كأسماء الأعدادِ وغيرِها حين خلت عن العوامل ولذلك قيل صادْ وقافْ مجموعاً فيهما بين الساكنين ولم يعامل معاملةَ أين وكيف وهؤلاءِ وإن وَلِيَها عاملٌ مسها الإعرابُ وقصرُ ما آخِرُه ألفٌ عند التهجي لابتغاء الخِفةِ لا لأن وِزانَه وزانُ لا تقصَرُ تارةً فتكونُ حرفاً وتمُدّ أخرى فيكون اسماً لها كما في قولِ حسَّانَ رضي الله عنه ... ما قال لا قطُّ إلا في تشهُّده ... لولا التشهُّدُ لم تُسْمَعْ له لاءُ ... هذا وقد تكلموا في شأن هذه الفواتح الكريمةِ وما أريد بها فقيل إنها من العلوم المستورةِ والأسرارِ المحجوبة رُوي عن الصدِّيقِ رضيَ الله عنه أنه قال في كل كتاب سرٌّ وسرُّ القرآن أوائلُ السور وعَنْ عليَ رضيَ الله عنه إن لكل كتابٍ صفوةً وصفوةُ هذا الكتابِ حروفُ التهجّي وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عجِزتِ العلماءُ عن إدراكها وسُئل الشعبي عنها فقال سرُّ الله عزَّ وجلَّ فلا تطلُبوه وقيل إنها أسماء الله تعالى وقيل كلُّ حرفٍ منها إشارة إلى اسمٍ من أسماءِ الله تعالى أو صفةٍ من صفاتِه تعالى وقيل إنها صفاتُ الأفعال الألفُ آلاؤء واللام لُطفه والميمُ مجدُه ومُلكُه قاله محمدُ بنُ كعبٍ القُرَظي وقيل إنها من قبيل الحساب وقيل الألفُ من الله واللامُ من جبريلَ والميمُ من محمد أي أنزل الله الكتابَ بواسطة جبريلَ على محمدٍ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل هي أقسام من الله تعالى بهذه الحروف المعجمة لشرفها من حيث أنها أصول اللغات ومبادئ كتبِه المنزلة ومباني أسمائِه الكريمة وقيل إشارةٌ إلى انتهاء كلامٍ وابتداءِ كلامٍ آخرَ وقيل وقيل ولكن الذي عليه التعويلُ إما كونُها أسماءً للسور المصدرة بها وعليه إجماعُ الأكثر وإليه ذهب الخليلُ وسيبويه قالوا سمِّيت بها إيذاناً بأنها كلماتٌ عربيةٌ معروفةُ التركيب من مسميات هذه الألفاظ فيكون فيه إيماءٌ إلى الإعجاز والتحدّي على سبيل الإيقاظِ فلولا أنه وحى من الله عز وجل لما عجِزوا عن معارضته ويقرُب منه ما قاله الكلبيُّ والسّدي وقَتادة من أنها أسماءٌ للقرآن والتسمية بثلاثة أسماءٍ فصاعداً إنما تُستنكر في لغة العرب إذا رُكِّبَتْ وجُعلت إسماً واحداً كما في حَضْرَموت فأما إذا كانت منثورة فلا استنكار فيها والمسمى هو المجموع لا الفاتحة فقط حتى يلزمَ اتحادُ الاسمِ والمسمى غايةُ الأمر دخولُ الاسم في المسمى ولا محذورَ فيه كما لا محذورَ في عكسه حسبما تحققْتَه آنفاً وإنما كُتبت في المصاحف صورُ المسميات دون صور الأسماءِ لأنه أدلَّ على كيفية التلفّظ بها وهي أن يكون على نهْج التهجّي دون التركيب ولأن فيه سلامةً من التطويل لا سيما في الفواتحِ الخُماسية على أن خطَّ المُصحف مما لا يناقَشُ فيه بمخالفة القياسِ وإما كونها مسرودة على نمط التعديدِ وإليه جنَح أهلُ التحقيق قالوا إنما وردت هكذا ليكون إيقاظا بمن تُحِدِّيَ بالقرآن وتنبيهاً لهم على أنه منتظمٌ من عين ما ينظِمون منه كلامَهم فلولا أنه خارجٌ عن طوْق البشر نازلٌ من عند خلاّق القُوى والقَدَر لما تضاءلت قوتُهم ولا تساقطت قدرتُهم وهم