فرسانُ حَلْبةِ الحِوار وأُمراءُ الكلام في نادي الفخار دون الإتيانِ بما يُدانيه فضلاً عن المعارَضة بما يُساويه مع تظاهرهم في المضادّة والمضارّة وتهالُكِهم على المعَازة والمعارّة أو ليكونَ مطلَعُ ما يُتلى عليهم مستقلاً بضربٍ من الغرابة أُنموذجاً لما في الباقي من فنون الإعجاز فإن النطقَ بأنفُس الحروفِ في تضاعيف الكلام وإن كان على طرف الثمام يتناولُه الخواصُّ والعوامُّ من الأعراب والأعجام لكن التلفظَ بأسمائها إنما يتأتَّى ممن درَس وخطَّ وأما ممن لم يحُمْ حولَ ذلك قطّ فأعزُّ من بَيْض الأَنُوق وأبعدُ من مَناط العَيُّوق لا سيما إذا كان على نمط عجيب وأسلوب غريب منبئ عن سرَ سِرِّيَ مبنيَ على نهجٍ عبقري بحيث يَحارُ في فهمه أربابُ العقول ويعجِزُ عن إدراكه ألبابُ الفحول كيف لا وقد وردت تلك الفواتحُ في تسعٍ وعشرين سورةً على عدد حروف المُعجم مشتملةً على نصفها تقريباً بحيث ينطوي على أنصاف أصنافِها تحقيقاً أو تقريباً كما يتّضحُ عند الفحص والتنقير حسبما فصّله بعضُ أفاضِلِ أئمةِ التفسير فسبحان من دقّتْ حكمتُه من أن يطالعها النظار وجلّت قُدرتُه عن أن ينالها أيدي الأفكار وإيرادُ بعضِها فرادى وبعضِها ثنائيةً إلى الخماسية جرَى على عادة الافتتان مع مراعاة أبنيةِ الكَلِم وتفريقِها على السور دون إيرادِ كلِّها مرةً لذلك ولما في التكرير والإعارة من زيادة إفادةٍ وتخصيصُ كلَ منها بسُورتها ممَّا لا سبيلَ إلى المطالبة بوجهه وعدُّ بعضِها آيةً دون بعضٍ مبنيٌّ على التوقيف البحت أما الم فآيةٌ حيثما وقعت وقيل في آل عمرانَ ليست بآية والمص آية والمر لم تعد آية والر ليست بآية في شئ من سورها الخمس وطسم آية في سورتيها وطه ويس آيتان وطس ليست بآية وحم آيةٌ في سُوَرِها كلِّها وكهيعص آية وحم عسق آيتان وص وق ون لم تُعَدَّ واحدةٌ منها آية هذا على رأي الكوفيين وقد قيل إن جميعَ الفواتحِ آياتٌ عندهم في السور كلِّها بلا فرقٍ بينها وأما مَنْ عداهم فلم يعُدّوا شيئاً منها آية ثم إنها على تقدير كونها مسرودة على نَمطِ التعديدِ لا تُشَمُّ رائحةَ الإعراب ويوقفُ عليها وقفَ التمام وعلى تقدير كونِها أسماءً للسور أو للقرآنِ كان لها حظٌّ منه إمَّا الرفعُ عَلَى الابتداءِ أو على الخبرية وإما النصبُ بفعل مضمر كا ذكر أو بتقديرِ فعلِ القَسَم على طريقة الله لأفعلن وإما الجرُ بتقدير حرفِه حسبما يتقتضيه المقام ويستدعيه النظام ولا وقف فيما عدا الرفعَ على الخبرية والتلفظُ بالكل على وجه الحكاية ساكنةَ الأعجاز إلا أن ما كانت منها مفردةً مثل ص وق ون يتأتَّى فيها الإعرابُ اللفظيُ أيضاً وقد قُرئت بالنصب على إضمار فعلِ أي اذكُرْ أو اقرأْ صادَ وقافَ ونونَ وإنما لم تنوَّنْ لامتناع الصرف وكذا ما كانت منها موازنةً لمفرد نحو حم ويس وطس الموازنةَ لقابيلَ وهابيلَ حيث أجاز سيبويهِ فيها مثلَ ذلك قال بابِ أسماءِ السُّورِ من كتابه وقد قرأ بعضُهم ياسينَ والقرآنِ وقافَ والقرآنِ فكأنه جعله اسماً أعجمياً ثم قال اذكُرْ ياسينَ انتهى وحكى السير افي أيضاً عن بعضهم قراءةَ ياسينَ ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ في الكل تحريكاً لالتقاء الساكنين ولا مَساغَ لنصب بإضمارِ فعلِ القسمِ لأنَّ ما بعدَهَا مَنْ القرآن والقلمِ محلوفٌ بهما وقد استكرهوا الجمعَ بين قَسَمين على مُقسَمٍ عليه واحدٍ قبل انقضاءِ الأوَّلِ وهو السرُّ في جعل ما عدا الواوِ الأولى في قوله تعالى والليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى وَمَا خَلَقَ الذكر والانثى عاطفةً ولا مجال للعطف ههنا للمخالفة بين الأولِ والثاني في الإعراب نعم يجوز ذلك بجعل الأولِ مجروراً