الصلاة والسلام كقوله تعالى {إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قانتا} أو باعتبار اشتمالِه على آياتٍ كثيرةٍ فإن كلَّ واحدٍ من أثر قدميه في صخرةٍ صمَّاءَ وغوْصِه فيها إلى الكعبين وإلانةِ بعضِ الصخور دون بعضٍ وإبقائِه دون سائرِ آياتِ الأنبياءِ عليهم السلام وحفظِه مع كثرة الأعداء ألوف سنةٍ آيةٌ مستقلةٌ ويؤيده القراءةُ على التوحيد وإما بما يُفهمُ من قولهِ عزَّ وجلَّ
{ومن دخله كان آمنا} المعنى فإنه وإن كان جملةً مستأنفةً ابتدائيةً أو شرطيةً لكنها في قوةِ أنْ يقالَ وأَمِنَ مَنْ دَخَله فتكون بحسب المعنى والمآلِ معطوفةً على مقامُ إبراهيمَ ولا يخفى أن الأثنينِ نوعٌ من الجمع فيكتفى بذلك أو يحملُ على أنه ذُكر من تلك الآياتِ اثنتان وطُويَ ذكرُ ما عداهما دَلالةً على كثرتها ومعنى أمْنِ داخلِه أمنُه من التعرُّض له كما في قوله تعالى أو لم يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمنا وَيُتَخَطَّفُ الناسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وذلك بدعوة إبراهيمَ عليه السلام رَبّ اجعل هذا البلد امِنًا وكان الرجلُ لوْ جَرَّ كلَّ جريرةٍ ثم لجأ إلى الحرم لم يُطلب وعن عمرَ رضي الله عنه لو ظفِرتُ فيه بقاتل الخطاب مامسسته حتى يخرُجَ منه ولذلك قالَ أبُو حنيفةَ رحمَهُ الله تعالى من لزِمه القتلُ في الحِلّ بقصاص أو رِدَّةً أو زنىً فالتجأ إلى الحرم لم يُتعرَّضْ له إلا أنه لا يؤوى ولايطعم ولايسقى ولا يُبايَع حتى يُضْطَرَّ إلى الخروج وقيل أمنُه من النار وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم من مات في أحد الحرَمين بُعث يومَ القيامة آمنا وعنه عليه الصلاة والسلام الحَجونُ والبقيعُ يؤخذ بأطرافهما ويُنثرَانِ في الجنة وهما مقبرتا مكة والمدينة عنِ ابنِ مسعودٍ رضيَ الله عنه وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثنيّة الحَجونِ وليس بها يومئذ مقبرَةٌ فقال يبعث الله تعالى من هذه البقعةِ ومن هذا الحرَم كلِّه سبعين ألفاً وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخُلون الجنة بغير حساب يشفعُ كلُّ واحدٍ منهم في سبعين ألفاً وجوهُهم كالقمر ليلة البدر وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم من صَبَر على حرَّ مكةَ ساعةً من نهار تباعدت عنه جهنمُ مسيرةَ مائتي عام
{وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} جملةٌ من مبتدإٍ هو حِجُّ وخبرٍ هو لله وقولُه تعالى عَلَى الناس متعلقٌ بما تعلَّق بهِ الخبرُ من الاستقرار أو بمحذوفٍ هو حالٌ من الضَّمير المستكنِّ في الجار والعاملُ فيه ذلك الاستقرارُ ويجوز أن يكونَ عَلَى الناس هو الخبرُ ولله متعلقٌ بما تعلَّق بهِ الخبرُ وَلا سبيلَ إلى أن يتعلقَ بمحذوفٍ هو حالٌ من الضمير المستكن في على الناس لاستلزامه تقديم الحال على العامل المعنوي وذلك مما لا مساغَ له عند الجمهور وقد جوّزه ابنُ مالكٍ إذا كانت هي ظرفاً أو حرفَ جر وعاملُها كذلك بخلاف الظرف وحرف الجر فإنهما يتقدمان على عاملهما المعنوي واللامُ في البيت للعهد وحجُّه قصْدُه للزيارة على الوجه المخصوص المعهود وكسر الحاء لغةُ نجدٍ وقيل هو اسمٌ للمصدر وقرئ بفتحها
{مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} في محل الجرِّ على أنَّه بدلٌ من النَّاسِ بدلَ البعضِ من الكل مخصِّصٌ لعمومه فالضميرُ العائد إلى المُبدْل منه محذوفٌ أي من استطاع منهم وقيل بدلَ الكلِّ على أن المرادَ بالناس هو البعضُ المستطيعُ فلا حاجةَ إلى الضمير وقيل في محلِ الرفعِ على أنه خبرُ مبتدإٍ مضمرٍ أي هم من استطاع الخ وقيل في حيز النصبِ بتقدير أعني وقيل كلمةُ مِنْ شرطيةٌ والجزاءُ محذوف لدلالة المذكور عليه وكذا العائدُ إلى الناس أي من استطاع منهم إليه سبيلاً فلله عليه حِجُّ البيت وقد رُجِّحَ هذا بكون ما بعده شرطية والضميرُ المجرورُ في إليه راجعٌ إلى البيت أو إلى حِجّ والجارُّ متعلقٌ بالسبيل قُدِّم عليه اهتماماً بشأنه كما في قوله عز وجل فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مّن سبيل وهل إلى مَرَدّ مّن سَبِيلٍ لما فيه من معنى