الإفضاءِ والإيصالِ كيف لا وهو عبارةٌ عن الوسيلة من مال أو غيرِه فإنه قد روى أنسُ بنُ مالكٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال السبيلُ الزادُ والراحلة وروى ابنُ عمرَ رضيَ الله عنهما أنَّ رجلاً قالَ يا رسولَ الله ما السبيلُ قال الزاد والرحلة وهو المراد بما رُوي أنه عليه السلام فسَّر الاستطاعةَ بالزاد والراحلة وهكذا روي عن ابن عباس وابنُ عُمر رضي الله عنهم وعليه أكثرُ العلماء خلا أن الشافعيَّ أخذ بظاهره فأوجب الاستنابةَ على الزَّمِنِ القادر على أُجرة مَنْ ينوب عنه والظاهرُ أن عدمَ تعرُّضِه عليه السلام لصِحة البدنِ لظهور الأمر كيف لا والمفسَّرُ في الحقيقة هو السبيلُ الموصِلُ لنفس المستطيع إلى البيت وذا لا يُتصوَّرُ بدون الصحة وعن ابن الزبير أنه على قدر القوة ومذهب مالك أن الرجل إذا وثق بقوته لزمه وعنه ذلك على قدر الطاقة وقد يجد الزاد والراحلة من لا يقدرُ على السفر وقد يقدر عليه من لا راحلة له ولا زاد وعن الضحاك أنه إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع
{ومن كفر} وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا على تاركه ولذلك قال عليه السلام من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا وروى عن عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ الله عنه أنَّه عليه السلام قال في خطبته أيها الناس إن الله فرض الحج على مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً ومن لم يفعل فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا او مجوسيا
{فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين} وعن عبادتهم وحيث كان من كفر من جملتهم داخلا فيها دخولا أوليا اكتفى بذلك عن الضمير الرابط بين الشرط والجزاء ولقد حازت الآية الكريمة من فنون الاعتبارات المعربة عن كمال الاعتناء بامر الحج والتشديد على تاركه مالا مزيد عليه حيث أوثرت صيغة الخبر الدالة على التحقيق أو برزت في صورة الجملة الاسمية الدالة على الثبات والاستمرار على وجه يفيد أنه حق واجب لله سبحانه في ذمم الناس لا انفكاك لهم عن أدائة والخروج عن عهدته وسلك بهم مسلك التعميم ثم التخصيص والإبهام ثم التبيين والإجمال ثم التفصيل لما في ذلك من مزيد تحقيق وتقرير وعبر عن تركه بالكفر الذي لا قبيح وراءه وجعل جزاءه استغناءه تعالى المؤذن بشدة المقت وعظم السخط لا عن تاركه فقط فإنه قد ضرب عنه صفحا إسقاطا له عن درجة الاعتبار واستهجانا بذكره بل عن جميع العالمين ممن فعل وترك ليدل على نهاية شدة الغضب هذا وقال ابن عباس والحسن وعطاء رضي الله عنهم ومن كفر أي جحد فرض الحج وزعم انه ليس بواجب وعن سعيد بن المسيب نزلت في اليهود فإنهم قالوا الحج إلى مكة غير واجب ورُوي أنَّه لمَّا نزلَ قوله تعالى {وَللَّهِ عَلَى الناس حج البيت} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون وكفرت به خمس ملل قالوا لا نؤمن به ولا نصلى إليه ولا نحجة فنزل ومن كفر وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم حجوا قبل أن لا تحجوا فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع إلى السماء في الثالثة وروى حجوا قبل أن يمنع البر جانبه وعن ابن مسعود حجوا هذا البيت قبل ان ينبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابة إلا نفقت وعن عمر رضي الله عنه لو ترك الناس الحج عاما واحدا مانوظروا