غيرَ مرةٍ من الاعتناء بشأن المقدمِ والتشويقِ إلى المؤخر وتخصيصُ الخوفِ من بين فنونِ الغمِّ بالإزالة لأنه المهمُّ عندهم حينئذ لما أن المشركين لما انصرفوا كانوا يتوّعدون المسلمين بالرجوع فلم يأمنوا اكرتهم وكانوا تحت الحَجَفِ متأهّبين للقتال فأنزل الله تعالى عليهم الأمنةَ فأخذهم النعاسُ قال ابن عباس رضي الله عنهما أمنَّهم يومئذ بنعاس تغشّاهم بعد خوفٍ وإنما ينعَسُ من أمِنَ والخائفُ لا ينام وقال الزبير رضيَ الله عنه كنتُ مع النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم حين اشتد الخوفُ فأنزل الله علينا النومَ والله لأسمع قولَ مُعتبِ بنِ قشير والنعاسُ يغشاني ما أسمعه إلا كالحُلُم يقول لو كان لنا من ألمر شيء ما قلنا إنى ههنا وقال أبو طلحة رضى الله عنه رفعتُ رأسي يومَ أحُدٍ فجعلتُ لا أرى أحداً من القوم إلا وهو يَميدُ تحت حَجَفَتِه من النعاس قال وكنتُ ممن أُلقِيَ عليه النعاسُ يومئذ فكان السيفُ يسقُط من يدي فآخذُه ثم يسقُط السَّوْطُ من يدي فآخُذه وفيه دلالة على أن من المؤمنين من لم يُلْقَ عليه النعاسُ كما ينبئ عنه قولُه عزَّ وجلَّ
{يغشى طَائِفَةً مّنْكُمْ} قال ابن عباس هم المهاجرون وعامةُ الأنصار ولا يقدَح ذلك في عموم الإنزالِ للكل والجملةُ في محل النصب على أنها صفة لنعاسا وقرئ بالتاء على أنها صفة لأمَنةً وفيه أن الصفةَ حقُّها أن تتقدم على البدل وعطفِ البيان وأن لا يُفصل بينها وبين الموصوفِ بالمفعول له وأن المعهودَ أن يحدُث عن البدل دون المُبدلِ منه
{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} أي أوقعتهم في الهموم والأحزانِ أو ما بهم إلا همُّ أنفسِهم وقصدُ خلاصِها من قولهم همّني الشئ أي كان من هِمّتي وقصدي والقصرُ مستفادٌ بمعونة المقامِ وَطَائِفَةٌ مبتدأٌ وما بعدها إما خبرُها وإنما جاز ذلك مع كونها نكرةً لاعتمادها على واو الحال كما في قوله ... سرينا ونجمٌ قد أضاء فمذ بدا ... محياكِ أخفى ضوءه كلَّ شارقِ ...
أو لوقوعها في موضع التفصيل كما في قوله ... إذَا ما بكى من خلفها انصرفت له بشِقَ ... وشقٌ عنْدنا لم يُحَوَّلِ ...
وإما صفتُها والخبرُ محذوفٌ أي ومعكم طائفة أو وهناك وقيل تقديره ومنكم طائفةٌ وفيه أنه يقتضي دخولَ المنافقين في الخطاب بإنزال الأمنة وأيا ما ما كان فالجملةُ إما حاليةٌ مبيِّنةٌ لفظاعة الهولِ مؤكِّدةٌ لعِظَم النعمةِ في الخلاص عنْهُ كما في قولِه تعالى {أو لم يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمنا وَيُتَخَطَّفُ الناسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وإما مستأنفةٌ مَسوقةٌ لبيان حال المنافقين وقوله عز وجل
{يَظُنُّونَ بالله} حال من ضمير أهمتْهم أو من طائفةٌ لتخصصها بالصفةِ أو صفةٌ أُخرى لها أو خبر بعد خبر أو استئنافٌ مبينٌ لما قبله وقوله تعالى
{غَيْرَ الحق} في حُكم المصدرِ أي يظنون به تعالى غيرَ الظنِّ الحقِّ الذي يجب أن يُظنَّ به سبحانه وقوله تعالى
{ظَنَّ الجاهلية} بدلٌ منه وهو الظنُّ المختصُّ بالملة الجاهليةِ والإضافة كما في حاتم الجودِ ورجلِ صِدْقٍ وقولُه تعالى
{يَقُولُونَ} بدلٌ من يظنون لما ان مسئلتهم كانت صادرةً عن الظن أي يقولون لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم على صورة الاسترشاد
{هَل لَّنَا مِنَ الامر} أي من أمرالله تعالى ووعدِه من النصر والظفَرِ
{مِن شَىْء} أي من نصيب قط أو هل لنا من التدبير من شئ وقوله تعالى
{قل إن الامر كُلَّهُ للَّهِ} أي الغلبةَ بالآخرة لله تعالى ولأوليائه فإن حزبَ الله هم الغالبون أو إن التدبيرَ كلَّه لله فإنه تعالى قد دبر الأمرَ كما جرى في سابق قضائِه فلا مردَّ له وقرئ كلُّه بالرفع على الابتداءِ وقولُه تعالَى
{يُخْفُونَ فِى أَنْفُسِهِم} أي يُضمرون فيها أو يقولون فيما بينهم بطريق الخُفية
{مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ} استئنافٌ أو حالٌ من ضميرِ يقولون وقوله تعالى إن الأمرالخ اعتراضٌ بين الحال وصاحبِها