للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٥٥ - آل عمران

أي يقولون ما يقولون مُظْهِرين أنهم مسترشِدون طالبون للنصر مُبْطنين الإنكارَ والتكذيبَ وقوله تعالى

{يَقُولُونَ} استئنافٌ وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل أي شئ يخفون فقيل يحدثون أنفسَهم أو يقول بعضُهم لبعض فيما بينهم خُفيةً

{لَوْ كان لنا من الأمر شَىْء} كما وعد محمد عليه الصلاة والسلام من أن الغلبةَ لله تعالى ولأوليائه وإن الأمرَ كلَّه لله أو لو كان لنا من التدبير والراى شئ

{ما قتلنا ها هنا} أي ما غُلبنا أو ما قُتل مَنْ قُتل منا في هذه المعركةِ على أن النفيَ راجعٌ إلى نفس القتلِ لا إلى وقوعه فيها فقط ولما برحنا من منازلنا كما رآه ابنُ أُبي ويؤيده تعيينُ مكانِ القتلِ وكذا قوله تعالى

{قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ} أي لو لم تخرُجوا إلى أُحُد وقعدتم بالمدينة كما يقولون

{لَبَرَزَ الذين كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتل} أي في اللوحِ المحفوظِ بسبب من الأسباب الداعيةِ إلى البروز

{إلى مَضَاجِعِهِمْ} إلى مصارعهم التي قدَّر الله تعالى قتلَهم فيها وقُتلوا هنالك البتةَ ولم تنفَعِ العزيمةُ على الإقامة بالمدينة قطعاً فإن قضاءَ الله تعالى لا يُرَدّ وحكمُه لا يُعقَّب وفيه مبالغةٌ في رد مقالتِهم الباطلةِ حيث لم يُقتَصرْ على تحقيق نفسِ القتلِ كما في قوله عز وجل أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت بل عُيِّن مكانُه أيضاً ولا ريب في تعيُّن زمانِه أيضاً لقوله تعالى {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} رُوي أنَّ ملكَ الموتِ حضر مجلس سليمان عليه الصلاة والسلام فنظر إلى رجل من أهل المجلسِ نَظرةً هائلة فلما قام قال الرجلُ من هذا فقال سليمانُ عليه السلام ملكُ الموتِ قال أرسِلْني مع الريح إلى عالم آخَرَ فإني رأيتُ منه مرأىً هائلاً فأمرها عليه السلام فألقتْه في قُطر سحيقٍ من أقطار العالم فما لبث أن عاد ملكُ الموتِ إلى سليمانَ عليه السلام فقال كنت أُمِرْتُ بقبض روحِ ذلك الرجلِ في هذه الساعةِ في أرض كذا فلما وجدتُه في مجلسك قلت متى يصِلُ هذا إليها وقد أرسلتَه بالريح إلى ذلك المكانِ فوجدتُه هناك فقُضي أمرُ الله عزَّ وجلَّ في زمانه ومكانِه من غير إخلال بشئ من ذلك وقرئ كتب على البناءِ للفاعلِ ونَصبِ القتل وقرئ كتب عليهم القتال وقرئ لبُرِّز بالتشديد على البناء للمعفول

{وَلِيَبْتَلِىَ الله مَا فِى صُدُورِكُمْ} أي ليعاملَكم معاملةَ مَنْ يبتلي ما في صدوركم من الإخلاص والنفاقِ ويُظهرَ ما فيها من السرائر وهو علةٌ لفعل مقدرٍ قبلها معطوفةٌ على علل لها أخرى مطويةٍ للإيذان بكثرتها كأنه قيل فعلَ ما فعل لمصالحَ جمةٍ وليبتليَ الخ وجعلُها عللا لبرز يا باه الذوقُ السليمُ فإن مقتضى المقامِ بيانُ حكمةِ ما وقع يومئذ من الشدة والهولِ لا بيانُ حِكمةِ البروزِ المفروضِ أو لفعلٍ مقدرٍ بعدها أي وللابتلاء المذكورِ فعلَ ما فعل لا لعدم العنايةِ بأمر المؤمنين ونحو ذلك وتقديرُ الفعل مقدماً خالٍ عن هذه المزية

{وَلِيُمَحّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ} من مخفيات الأمورِ ويكشِفَها أو يُخلِّصَها من الوساوس

{والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي السرائر والضمائرِ الخفيةِ التي لا تكاد تفارقُ الصدورَ بل تلازمها وتصاحبها والجمة إما اعتراضٌ للتنبيه على أن الله تعالى غنيٌ إن الابتلاء وإنما يُبرِز صورةَ الابتلاءِ لتمرين المؤمنين وإظهارِ حالِ المنافقين أو حالٌ من متعلَّق الفعلين أي فَعل ما فَعل للابتلاء والتمحيصِ والحال أنه تعالى غنى غنهما مُحيطٌ بخفيات الأمورِ وفيه وعد ووعيد

<<  <  ج: ص:  >  >>