قالوا: وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاطب بن أبي بلتعة اللخمي. وهو أحد الستة. إلى المقوقس صاحب الإسكندرية عظيم القبط يدعوه إلى الإسلام وكتب كتابا. فأوصل إليه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأه وقال له خيرا. وأخذ الكتاب فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جاريته. وكتب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام. وقد أكرمت رسولك. وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم. وقد أهديت لك كسوة وبغلة تركبها. ولم يزد على هذا ولم يسلم. فقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هديته. وأخذ الجاريتين مارية أم إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأختها سيرين وبغلة بيضاء لم يكن في العرب يومئذ غيرها وهي دلدل. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:، ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه،. قال حاطب:
كان لي مكرما في الضيافة وقلة اللبث ببابه. ما أقمت عنده إلا خمسة أيام.
قالوا: وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شجاع بن وهب الأسدي. وهو أحد الستة. إلى الحارث بن أبي شمر الغساني يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابا. قال شجاع: فأتيت إليه وهو بغوطة دمشق. وهو مشغول بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر. وهو جاء من حمص إلى إيلياء. فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه: إني رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه. فقال: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا. وجعل حاجبه. وكان روميا اسمه مرى. يسألني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكنت أحدثه عن صفة رسول الله.
-صلى الله عليه وسلم-. وما يدعو إليه. فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول: إني قد قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- بعينه فأنا أؤمن به وأصدقه وأخاف من الحارث أن يقتلني. وكان يكرمني ويحسن ضيافتي. وخرج الحارث يوما فجلس ووضع التاج على رأسه. فأذن لي عليه. فدفعت إليه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأه ثم رمى به وقال: من ينتزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته. علي بالناس! فلم يزل يفرض حتى قام.
وأمر بالخيول تنعل. ثم قال: أخبر صاحبك ما ترى. وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه. فكتب إليه قيصر: ألا تسير إليه واله عنه ووافني بإيلياء. فلما جاءه جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت: غدا. فأمر لي بمائة مثقال ذهب. ووصلني مرى. وأمر لي بنفقة وكسوة وقال: أقرئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مني السلام.
فقدمت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته. فقال:، باد ملكه!، وأقرأته من مرى السلام وأخبرته بما قال. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:، صدق،. ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح.