عن الزهري. أخبرني أنس بن مالك: أنه لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام عمر في الناس خطيبا فقال: ألا لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا مات فإن محمدا لم يمت ولكنه أرسل إليه ربه كما أرسل إلى موسى فلبث عن قومه أربعين ليلة. قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال في خطبته تلك:
إني لأرجو أن يقطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات! قال الزهري: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد. فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مسجى فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت! والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا. أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها. قال أبو سلمة: أخبرني ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس. فأبى عمر أن يجلس. فقال: اجلس. فأبى أن يجلس. فتشهد أبو بكر فمال الناس إليه وتركوا عمر فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
قال الله:«وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» آل عمران: ١٤٤. قال: والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية إلا حين تلاها أبو بكر. قال: فتلقاها منه الناس كلهم فما تسمع بشرا إلا يتلوها. قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى والله ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات. قال الزهري:
أخبرني أنس بن مالك: أنه سمع عمر بن الخطاب الغد حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستوى أبو بكر على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تشهد قبل أبي بكر ثم قال: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة لم تكن كما قلت. وإني والله ما وجدتها في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال كلمة يريد حتى يكون آخرنا. فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم. وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدون لما هدى له رسول الله.