للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ يُلَبِّ قَبْلَ وُصُولِهِ الْبَيْدَاءَ، وَهَذَا الْجَمْعُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، وَالْحَاكِمِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ ": فَائِدَةُ الْبَيْدَاءِ هَذِهِ فَوْقَ عَلَمَيْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، لِمَنْ صَعِدَ مِنَ الْوَادِي، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَغَيْرُهُ. انْتَهَى مِنْهُ.

وَإِذَا عَرَفْتَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَوَّلَ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ، وَأَنَّهُ وَقْتُ انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ: أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَشْرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: حَتَّى يَنْتَهِيَ رَمْيُهُ إِيَّاهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّوَابُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى، فَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ. وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ، هُوَ حُجَّةُ مَنْ قَالَ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ، عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الرَّمْيِ ; لِأَنَّ بُلُوغَ الْجَمْرَةِ هُوَ وَقْتُ الشُّرُوعِ فِي الرَّمْيِ. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْفَضْلِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ " وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ " هُوَ حُجَّةُ مَنْ قَالَ: يُلَبِّي حَتَّى يَنْتَهِيَ رَمْيُهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَنَحْنُ بِجَمْعٍ سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ " الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ " وَجَمْعٌ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَى تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ " الْبَقَرَةِ " يَقُولُ فِي هَذَا الْمَكَانِ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ " وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَا: سَمِعْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ بِجَمْعٍ: سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ " الْبَقَرَةِ " هَاهُنَا يَقُولُ " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ " ثُمَّ لَبَّى وَلَبَّيْنَا مَعَهُ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: فَهَذِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ، تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي رَمْيِ الْعَقَبَةِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، يُرَادُ بِهِ الشُّرُوعُ فِي رَمْيِهَا، لَا الِانْتِهَاءُ مِنْهُ.

وَمِنَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ: مَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ مِنَ التَّكْبِيرِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، فَظَرْفُ الرَّمْيِ لَا يَسْتَغْرِقُ غَيْرَ التَّكْبِيرِ، مَعَ الْحَصَاةِ لِتَتَابُعِ رَمْيِ الْحَصَيَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>