لَا الضَّمِيرِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ، وَهُوَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ:
دَعَوْتُ لِمَا نَابَنِي مِسْوَرًا ... فَلَبَّى فَلَبَّى يَدَيْ مِسْوَرُ
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: ثَنَّوْا لَبَّيْكَ كَمَا ثَنَّوْا حَنَانَيْكَ: أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍّ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ وَاشْتِقَاقِهَا، فَقِيلَ مَعْنَاهَا: اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إِلَيْكَ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: دَارِي تَلُبُّ دَارَكَ أَيْ تُوَاجِهُهَا، وَقِيلَ مَعْنَاهَا مَحَبَّتِي لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمُ: امْرَأَةٌ لَبَّةٌ، إِذَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِوَلَدِهَا عَاطِفَةً عَلَيْهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهَا: إِخْلَاصِي لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: حُبٌّ لُبَابٌ، إِذَا كَانَ خَالِصًا مَحْضًا، وَمِنْ ذَلِكَ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهَا: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ، وَإِجَابَتِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ، وَأَلَبَّ بِهِ إِذَا أَقَامَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ:
وَبِهَذَا قَالَ الْخَلِيلُ. وَقِيلَ فِي لَبَّيْكَ: أَيْ قُرْبًا مِنْكَ، وَطَاعَةً، وَالْإِلْبَابُ: الْقُرْبُ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ مَعْنَاهُ: أَنَا مُلِبٌّ بَيْنَ يَدَيْكَ أَيْ: خَاضِعٌ. انْتَهَى كَلَامُ عِيَاضٍ، مَعَ تَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ يَسِيرٍ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ النَّوَوِيِّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ "، وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدُورُ حَوْلَهُ كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ، وَبَقِيَّةُ أَلْفَاظِ التَّلْبِيَةِ مَعَانِيهَا ظَاهِرَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ لَبَّيْكَ مُلَازِمَةٌ لِلْإِضَافَةِ لِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ، وَشَذَّ إِضَافَتُهَا لِلظَّاهِرِ ; كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَشَذَّ أَيْضًا إِضَافَتُهَا لِضَمِيرِ الْغَائِبِ كَقَوْلِ الرَّاجِزِ: إِنَّكَ لَوْ دَعَوْتَنِي وَدُونِي زَوْرَاءُ ذَاتُ مُتَّزَعٍ بَيُونِ لَقُلْتُ لَبَّيْهِ لِمَنْ يَدْعُونِي.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرِّجَالِ رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّلْبِيَةِ، لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ. مِنْ حَدِيثِ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادِ بْنِ سُوَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ» ، اهـ.
وَلَفْظُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي، أَوْ مَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِالْإِهْلَالِ» يُرِيدُ أَحَدَهُمَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَذَهَبَ الظَّاهِرِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْأُصُولِ مَعَ الظَّاهِرِيَّةِ، وَهِيَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute