للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ إِلَّا لِدَلِيلٍ صَارِفٍ عَنْهُ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُنَّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ: إِنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، لِتُسْمِعَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَعَلَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ خَفْضَ الْمَرْأَةِ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ، بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ بِصَوْتِهَا.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ الْمُسَمَّى: «فَتْحُ الْعَزِيزِ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ» : وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الرَّفْعُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَلَا يَرْفَعُ حَيْثُ يَجْهَدُ وَيُقْطَعُ صَوْتُهُ، وَالنِّسَاءُ تَقْتَصِرْنَ عَلَى إِسْمَاعِ أَنْفُسِهِنَّ، وَلَا يَجْهَرْنَ كَمَا لَا يَجْهَرْنَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ.

قَالَ الْقَاضِي الرُّوْيَانِيُّ: وَلَوْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ لَمْ يَحْرُمْ ; لِأَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا، اهـ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الرُّويَانِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْرُمُ لَكِنْ يُكْرَهُ، صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيُّ، وَيَخْفِضُ الْخُنْثَى صَوْتَهُ كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: أَمَّا الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ الرَّخِيمَةُ الصَّوْتِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ صَوْتَهَا مِنْ مَفَاتِنِ النِّسَاءِ وَلَا يَجُوزُ لَهَا رَفْعُهُ بِحَالٍ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّوْتَ الرَّخِيمَ مِنْ مَحَاسِنِ النِّسَاءِ وَمَفَاتِنِهَا، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَكْثُرُ ذِكْرُهُ فِي التَّشْبِيبِ بِالنِّسَاءِ، كَقَوْلِ غَيْلَانَ ذِي الرُّمَّةِ:

لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الْحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ ... رَخِيمُ الْحَوَاشِي لَا هُرَاءٌ وَلَا نَزْرُ

وَعَيْنَانِ قَالَ اللَّهُ كُونَا فَكَانَتَا ... فَعُولَانِ بِالْأَلْبَابِ مَا تَفْعَلُ الْخَمْرُ

فَتَرَاهُ جَعَلَ الصَّوْتَ الرَّخِيمَ مِنْ مَحَاسِنِ النِّسَاءِ، كَالْبَشَرَةِ النَّاعِمَةِ، وَالْعَيْنَيْنِ الْحَسَنَتَيْنِ، وَكَقَوْلِ قَعْنَبِ ابْنِ أُمِّ صَاحِبٍ:

وَفِي الْخُدُودِ لَوَ أَنَّ الدَّارَ جَامِعَةٌ ... بِيضٌ أَوَانِسُ فِي أَصْوَاتِهَا غُنَنُ

فَتَرَاهُ جَعَلَ الصَّوْتَ الْأَغَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَحَاسِنِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ جَلَّ وَعَلَا مُخَاطِبًا لِنِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ خَيْرُ أُسْوَةٍ لِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا لِأَنَّ تَلْيِينَ الصَّوْتِ وَتَرْخِيمَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِالرِّيبَةِ كَإِبْدَاءِ غَيْرِهِ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>