للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّرْغِيبُ وَالثَّنَاءُ عَلَى الْمُوفِينَ بِهِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الطَّيِّبَةِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَالَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ أَنَّ نَفْسَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فِيهَا قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ، دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا تَكَرَّرَ فِيهَا مِنْ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ، وَلَا يُقَدِّمُ شَيْئًا، وَلَا يُؤَخِّرُ شَيْئًا وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَكَوْنُهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ النَّاذِرَ أَرَادَ بِالنَّذْرِ جَلْبَ نَفْعٍ عَاجِلٍ، أَوْ دَفْعَ ضُرٍّ عَاجِلٍ فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا قَضَى اللَّهُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَنَّ نَذْرَ النَّاذِرِ لَا يَرُدُّ شَيْئًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ مَا كَانَ يُرِيدُهُ النَّاذِرُ بِنَذْرِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَخْرِجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ الشَّيْءَ الَّذِي نَذَرَ وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا كَمَا ذَكَرْنَا.

الثَّانِي أَنَّ الْجَمْعَ وَاجِبٌ إِذَا أَمْكَنَ وَهَذَا جَمْعٌ مُمْكِنٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاضِحٌ تَنْتَظِمُ بِهِ الْأَدِلَّةُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهَا خِلَافٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّاذِرَ الْجَاهِلَ، قَدْ يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ قَدْ يَرُدُّ عَنْهُ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ. وَقَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

تَنْبِيهٌ

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ كَقَوْلِهِ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا، قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ، فَكَيْفَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّصَّ الصَّحِيحَ دَلَّ عَلَى هَذَا، فَدَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ أَوَّلًا، كَمَا ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَى لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْبَخِيلَ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ مَا نَذَرَ إِخْرَاجَهُ، وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ أَوَّلًا، وَلَا غَرَابَةَ فِي هَذَا ; لِأَنَّ الْوَاحِدَ بِالشَّخْصِ قَدْ يَكُونُ لَهُ جِهَتَانِ. فَالنَّذْرُ الْمَنْذُورُ لَهُ جِهَةٌ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنْ أَجْلِهَا ابْتِدَاءً، وَهِيَ شَرْطُ حُصُولِ النَّفْعِ فِيهِ، وَلَهُ جِهَةٌ أُخْرَى هُوَ قُرْبَةٌ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَهُوَ إِخْرَاجُ الْمَنْذُورِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ وَصَرْفُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ فِي اللُّغَةِ النَّحْبُ وَهُوَ مَا يَجْعَلُهُ الْإِنْسَانُ نَحْبًا وَاجِبًا عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>