مُعَيَّنٍ، فَلَا بَأْسَ بِإِيفَائِهِ بِنَذْرِهِ، بِأَنْ يَنْحَرَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ، إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ بِهِ وَثَنٌ يُعْبَدُ، أَوْ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ فِيهِ وَثَنًا يُعْبَدُ، أَوْ عِيدًا مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ فِيهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثْنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ، قَالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: " هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ " انْتَهَى مِنْهُ.
وَفِيهِ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ بِمَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ وَثَنٌ يُعْبَدُ أَوْ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِسْنَادُ الْحَدِيثِ صَحِيحٌ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ أَنَّهُ يُقْضَى عَنْهُ، وَسَنَقْتَصِرُ هُنَا عَلَى قَلِيلٍ مِنْهَا اخْتِصَارًا لِصِحَّتِهِ، وَثُبُوتِهِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ اسْتَفْتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ» اهـ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ الْحَجِّ، أَنَّهُ يُقْضَى عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
تَنْبِيهٌ
اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ أَفْتَيَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ عَنِ الْمَيِّتِ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يُصَلِّ مَا نَذَرَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ، وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلَاةً بِقُبَاءٍ فَقَالَ: صَلِّي عَنْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، اهـ مِنَ الْبُخَارِيِّ. وَفِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ: أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ، عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ، فَأَفْتَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute