للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٢ \ ٨٨] .

وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ مَنْ شَاقَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ غَيْرِ الْيَهُودِ، وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا هَذَا الْحُكْمَ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [٢ \ ٨٤ - ٨٥] .

فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ الْمِيثَاقِ، وَالْغَدْرِ فِي الصُّلْحِ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَالتَّظَاهُرِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَالْإِيمَانِ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَالْكُفْرِ بِبَعْضِهِ، كَانَ خَاصًّا بِالْيَهُودِ، فَكَانَتِ الْعِلَّةُ مُرَكَّبَةً مِنَ الْمُشَاقَّةِ، وَمِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي اخْتَصُّوا بِهَا، وَكَانَ الْحُكْمُ صَرِيحًا هُنَا بِقَوْلِهِ عَنْهُمْ: فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ [٢ \ ٨٥] ، وَكَانَ خِزْيُهُمْ فِي الدُّنْيَا هُوَ مَا وَقَعَ بِهِمْ مِنْ إِخْرَاجٍ، وَتَخْرِيبٍ، وَتَقْتِيلٍ.

وَإِنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الِاسْتِئْصَالُ الْكُلِّيُّ بِإِخْرَاجِهِمْ أَوْ تَقْتِيلِهِمْ، فَلَمْ يَعُدْ يَصْلُحُ فِيهِمُ اسْتِصْلَاحٌ وَلَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُمْ صَلَاحٌ، وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمْ يَتَّعِظُوا، وَلَمْ يَسْتَفِيدُوا، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [٥٩ \ ٢] .

مَا اتَّعَظَ بَنُو قُرَيْظَةَ بِمَا وَقَعَ بِإِخْوَانِهِمْ بَنِي النَّضِيرِ، فَلَجَئُوا بَعْدَ عَامٍ وَاحِدٍ إِلَى مَا وَقَعَ فِيهِ بَنُو النَّضِيرِ مِنْ غَدْرٍ وَخِيَانَةٍ، فَكَانَ اخْتِصَاصُ الْيَهُودِ بِالْحُكْمِ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ شَارَكَهُمْ غَيْرُهُمْ فِي الْمُشَاقَّةِ فَلَمْ يُشَارِكْهُمْ غَيْرُهُمْ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِمَّا قَدَّمْنَا مِنْ دَوَافِعِ الْمُشَاقَّةِ.

وَلِلدَّوَافِعِ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ، كَمَا فِي قِصَّةِ آدَمَ وَإِبْلِيسَ، فَقَدِ اشْتَرَكَ آدَمُ وَإِبْلِيسُ فِي عُمُومِ عِلَّةِ الْعِصْيَانِ، إِذْ نُهِيَ آدَمُ عَنْ قُرْبَانِ الشَّجَرَةِ، وَأُمِرَ إِبْلِيسُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، فَأَكَلَ آدَمُ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ، وَامْتَنَعَ إِبْلِيسُ عَمَّا أُمِرَ بِهِ فَاشْتَرَكَا فِي الْعِصْيَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ آدَمَ: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [٢٠ \ ١٢١] ، وَقَالَ عَنْ إِبْلِيسَ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [٧ \ ١٢] ، وَلَكِنَّ السَّبَبَ كَانَ مُخْتَلِفًا، فَآدَمُ نَسِيَ وَوَقَعَ تَحْتَ وَسْوَسَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>