أَضْعَافِ قِيمَتِهِ جَائِزٌ وَهَهُنَا نَقُولُ: لَا يَجُوزُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْفَرْقُ لَهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ، وَالْغَاصِبُ هُوَ الْمُتْلِفُ لَا قِيمَتُهُ، فَإِذَا صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ وَالْمَغْصُوبِ، كَانَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ الْمُتْلَفِ فَجَازَ، وَضَمَانُ الْعِتْقِ لَيْسَ بِضَمَانِ إتْلَافٍ وَلَا ضَمَانَ غَصْبٍ عِنْدَهُ؛ لِثُبُوتِ الْمُتْلَفِ وَالْمَغْصُوبِ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ هُوَ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَالثَّانِي: أَنَّ الْغَاصِبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ اخْتِيَارِ الضَّمَانِ لَا قَبْلَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ لِيَهْلِكَ عَلَى مِلْكِهِ فَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَيُخَاصَمُ الْغَاصِبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَانَ الْمَغْصُوبُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الضَّمَانِ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَكَانَ هَذَا صُلْحًا عَنْ الْعَبْدِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالَيْنِ، فَكَأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْهُ بِهِ وَأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِلْمِلْكِ فَصَحَّ، وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ مَقْصُودًا فَكَانَ الصُّلْحُ عَنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الضَّمَانَ فِي بَابِ الْغَصْبِ يَجِبُ وَقْتَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَى الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَابِلٌ لِلتَّمْلِيكِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالضَّمَانُ فِي بَابِ الْعِتْقِ يَجِبُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ مَقْصُودًا، فَالصُّلْحُ لَا يَقَعُ عَنْ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ قِيمَتِهِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ، جَازَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الْعَرَضِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَيْفَمَا كَانَ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ صَالَحَ الْعَبْدَ، جَازَ وَعَلَيْهِ الْوَسَطُ وَإِنْ صَالَحَ الْمُعْتَقَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَ الْحَيَوَانَ بَدَلًا عَنْ الْعِتْقِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ، وَالْكِتَابَةِ، وَالنِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَلِأَنَّ الصُّلْحَ مَعَ الْعَبْدِ فِي مَعْنَى مُكَاتَبَتِهِ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ أَوْ فَرَسٍ، يَصِحُّ وَيَجِبُ الْوَسَطُ كَذَا هَذَا، وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَإِنَّمَا جَعَلَ الْحَيَوَانَ بَدَلًا عَنْ الْقِيمَةِ وَأَنَّهَا مَالٌ وَالْحَيَوَانُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْمَالِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَقِ فِي الْعَبْدِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ أَوْ وَصِيٌّ، فَوَلِيُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعْتِقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يُدَبِّرَ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إعْتَاقٌ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يَمْلِكَانِ الْإِعْتَاقَ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ يَلِي عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا مَلَكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ الِاسْتِسْعَاءَ وَالتَّضْمِينَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ مُكَاتَبَةٌ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكَانِ مُكَاتَبَةَ عَبْدِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَالتَّضْمِينُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَى الْمُعْتِقِ فَيُشْبِهُ الْبَيْعَ وَهُمَا يَمْلِكَانِ بَيْعَ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ إلَّا أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِعْتَاقَ؛ لِانْعِدَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُكَاتَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَوْلَى.
وَأَمَّا الْمَأْذُونُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ الْخِيَارُ لِلْعَبْدِ وَعَلَى أَصْلِهِمَا إنْ كَانَ يَمْلِكُ، لَكِنَّ الْعَبْدَ أَخَصُّ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى كَمَا فِي الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى، فَإِنْ اخْتَارَ الشَّرِيكُ السِّعَايَةَ فَفِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْوَلَاءُ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ لِكَوْنِهِمَا حُرَّيْنِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى؛ لِكَوْنِهِمَا رَقِيقِينَ وَالْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ إلَّا لِلْحُرِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَلِيٌّ وَلَا وَصِيٌّ.
فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ، نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَخْتَارُ لَهُمَا أَصْلَحَ الْأُمُورِ مِنْ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ وَالْمُكَاتَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ، وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ وَيُفِيقَ الْمَجْنُونُ فَيَسْتَوْفِيَانِ حُقُوقَهُمَا مِنْ الْخِيَارَاتِ الْخَمْسِ.
ثُمَّ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي الضَّمَانِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا، فَالْيَسَارُ هُوَ أَنْ يَمْلِكَ الْمُعْتِقُ قَدْرَ قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَالْإِعْسَارُ هُوَ أَنْ لَا يَمْلِكَ هَذَا الْقَدْرَ لَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ وَحِلُّهَا، حَتَّى لَوْ مَلَكَ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ لِلشَّرِيكِ وِلَايَةُ تَضْمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا إلَى هَذَا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِيمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ شِقْصٌ فِي مَمْلُوكٍ فَأَعْتَقَهُ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، اسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي رَقَبَتِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» .
اُعْتُبِرَ مُطْلَقُ الْمَالِ لَا النِّصَابِ، وَأَشَارَ ﷺ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَخْلِيصُ الْعَبْدِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَحْصُلُ التَّخْلِيصُ، وَبِدُونِهِ لَا يَحْصُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute