للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطُّلَقَاء: لا ينتهي فلَهُم دونَ البَحْرِ، وقال الآخر: بطَلَ السِّحْرُ، فقال صفوان: واللَّهِ لأَنْ يَربَّنِي رجلٌ مِن قريشٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ يَربَّنِي رجُلٌ مِن ثَقِيْفٍ.

وصفوانُ رأسُ الطُّلَقَاءِ، كانَ أنْ يربَّهُ رجُلٌ من بني عبْدِ مَنَافٍ أحبَّ إليهِ مِنْ أنْ يربَّه رجُلٌ مِن بنِي تَيْم، فحُبُّ الرِّيَاسَةِ إذَا كانَ هُوَ الدَّاعِي؛ كانَ يدعُوهُم إلى تقْدِيْمِ بني هَاشِمٍ عَلى بَنِي تَيْمٍ باتِّفَاقِ العُقَلَاءِ، ولَوْ لمْ يُقدِّمُوا عليَّاً لقدَّمُوا العبَّاسَ؛ فإنَّ العبَّاسَ كانَ أقرَبَ إلى مُوَافَقَتِهِمْ عَلى المطالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِن أبي بكر، فإنْ كانُوا قدْ أقدَمُوا على ظُلْمِ الوَصِيِّ الهَاشِمِيِّ لِئَلَّا يحْمِلَهُمْ عَلَى الحقِّ الَّذِي يكْرَهُوْنَهُ؛ كانَ تقدِيْمُ مَن يحصِّلُ مَطَالِبَهُم معَ الريَاسة الهاشِمِيَّةِ ... ـ وهُو العبَّاسُ ـ أوْلَى وأحْرَى مِن أبي بكر الَّذِي لا يُعِينُهُمْ عَلى مَطَالِبِهِمْ كإعِانَةِ العبَّاسِ، ويحمِلُهُم عَلى الحَقِّ المُرِّ أكثرَ مَا يحمِلُهُمْ عليه عَلِيٌّ، فلَوْ كُرِهَ مِن عَليٍّ حقٌّ مُرٌّ لكَان ذلكَ مِن أبي بكر أكْرَهُ، ولَو أُرِيْدَ مِن أبي بكر دُنْيَا حُلْوَةٌ لكَان طلبُها عندَ العبَّاسِ وعَليٍّ أقرَبَ، فعُدُوْلُهُمْ عَن عليٍّ وعَن العبَّاسِ وغيرِهِمَا إلى أبي بكر دليلٌ عَلى أنَّ القوْمَ وضعُوا الحقَّ في نِصَابِهِ، وأقرُّوْهُ في إهَابِهِ، وأتَوْا الأمْرَ الأرْشَدَ مِنْ بَابِهِ، وأنهم علِمُوا أنَّ اللَّهَ ورسُولَهُ كانَا يَرْضَيَانِ تقْدِيمَ أبي بكر - رضي الله عنه -، وهَذَا أمْرٌ كان معلُومَاً لهم عِلْمَاً ظَاهِرَاً بَيِّنَاً لِمَا رأَوهُ وسَمِعُوهُ مِن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُدَّةَ صُحبَتِهِمْ لَهُ، فعلِمُوا مِن تفضِيلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر بِطُولِ المُشَاهَدَةِ والتَّجْرِبَةِ والسَّمَاعِ؛ مَا أوجَبَ تقدِيمَهُ وطاعَتَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>