العقول والعادات، بل والشرائع تقتضي إنزال الناس منازلهم، واحترام أبناء الفضلاء، ومن نُسِب إليهم، سواء اتَّصَل المأمور بذلك منهم بإحسان أم لا، حتى أمر الله وليَّه الخَضِر، ونجِيَّه موسى - عليهما السلام - بمراعاة مَن كان أبوهما صالحاً، فما ظنُّكَ بمَنْ يُدلِي إلى مَن أرسلَهُ الله رحمةً للعالمين، ومَنَّ بِهِ عَلى المؤمنين، وأنقذهم من خُسرانِ الدنيا والآخرة ...
إلى أن قال - رحمه الله - ــ وما أحسنَ قولَه هذا ــ: وإذا كانَتْ أبناءُ الرَّجُلِ الرئيس، بَلْ وعشيرَتُه، بَلْ وغِلْمَانُهُ وأتبَاعُهُ، بَلْ وقَبيلَتُهُ، بَلْ وأهلُ بَلَدِهِ، بَلْ وأهْلُ قُطْرِه، بَلْ وأهلُ عصرِهِ، قَدْ يَسُودُون بسيادتِه، ويشرُفونَ بِشَرَفِ رئاسَتِهِ، ويفتَخِرُونَ عَلى مَن سِوَاهُم بفَضلِهِ، ويعلُونَ بِعُلُوِّ مَنصِبِهِ ونُبْلِه، فهَل أحَدٌ أجَلُّ قَدرَاً، وأعظمُ مَرتَبَةً وفَخْرَاً ممن ينْتَسِبُ أهلُ البيتِ إليه؟ !
إلى أن قال - رحمه الله -: وقد كانت قلوبُ السلَفِ الأخيارِ، والعلماءِ الأحبَارِ، مجبولةٌ على حُبِّهِم واحتَرامِهِم، ومَعرِفَةِ ما يجِبُ لهم طبعاً، فمِصْدَاقُ ذلك تعظيمُ وحُبُّ كلِّ مَن يُنسَبُ إليه بقُربةٍ أو قَرَابَةِ أو صُحْبَةٍ، أو اتِّبَاعِ سُنَّةٍ، إذْ كُلُّ ما يُنسَبُ إلى المحبوبِ مَحبُوبٌ. (١)
(١) «الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -» (ص ١٩٤ ـ ١٩٧).