للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي الحديث الأخير بَيَّنَ لها أنه لن يغني عنها من اللهِ شيئاً، فعليها أن تتقي اللهَ - عز وجل -، ولا تتَّكِل على قُربِها من والدها - صلى الله عليه وسلم - (١)


(١) قال الشيخ الإمام: محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في كتاب «التوحيد»: (قوله - صلى الله عليه وسلم - للأبعد والأقرب: «لا أغني عنك من الله شيئاً» حتى قال: «يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئاً». فإذا صرَّحَ وهُوَ سيِّدُ المرسلين بأنه لا يُغنِي شيئاً عن سيِّدةِ نساء العالمين، وآمَنَ الإنسانُ أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقولُ إلا الحق، ثم نظَرَ فيما وقعَ في قلوبِ خواصِّ الناسِ اليوم، تبيَّن له التوحيدُ وغُربَةُ الدِّين).

علَّقَ الشيخ الإمام: محمد بن عثيمين - رحمه الله - في «القول المفيد على كتاب التوحيد» ... (١/ ٣٠٤) بقوله: (صدقَ - رحمه الله - فيما قال؛ فإنه إذا كان هذا القائل سيِّد المرسلين، وقاله لسيدة نساء العالمين، ثم نحن نؤمن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا الحق، وأنه لا يُغني عن ابنته شيئاً؛ تبيَّن لنا الآن أنَّ ما يفعلُه خواصُّ الناس ترك للتوحيد؛ لأنه يوجد أناسٌ خواصُّ يرون أنفسَهم علماءَ، ويراهم مَن حولهم علماءَ وأهلاً للتقليد، يَدْعُون الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - لكشف الضرِّ، وجلبِ النفع، دعوةً صريحةً، ويردِّدُونَ:
يا أكرمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ بِهِ * سِواكَ عندَ حُلُولِ الحادِثِ العَمِمِ! !
وغير ذلك من الشِّرْكِ، وإذا أُنكِرَ عليهم ذلك، ردُّوا على المنكِرِ بأنه لا يَعْرِفُ حقَّ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - ومقامَه عندَ الله، وأنه سيِّد الكونِ، وما خُلِقَتْ الجنُّ والإنسُ إلا مِن أجلِهِ! ! وأنه خُلِقَ من نُورِ العرش! ! ويُلَبِّسُونَ بذلكَ على العَامَّةِ، فيُصَدِّقُهُم البعضُ لجَهْلِهِم، ولو جاءَهم مَن يدعوهُم إلى التوحيد، لم يستجيبوا له؛ لأنَّ سيِّدَهُم وعالمهَم على خلافِ التوحيد، {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} ... (سورة البقرة، آية ١٤٥) ... = ...
ثم إن المؤمنَ عاطفتُه وميلُه للرسولِ - صلى الله عليه وسلم - أمرٌ لا يُنكَر، لكنَّ الإنسانَ لا ينبَغِي له أنْ يُحَكِّم العاطفة، بلْ يجبُ عليه أنْ يتَّبِعَ ما دَلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ، وأيَّدَهُ العقلُ الصريحُ السالمُ من الشبهات والشهوات.
ولهذا نعى الله ـ سبحانه ـ على الكفار الذين اتَّبَعُوا مَا ألِفُوا عليه آباءَهم بأنَّهُم لا يَعْقِلُون، وكلامُ المؤلِّفِ حَقٌّ؛ فإنَّ مَنْ تأمَّل ما عليه الناسُ اليومَ في كثيرٍ من البلدان الإسلامية؛ تَبيَّنَ لهُ تركُ التوحِيدِ، وغُرْبَةُ الدِّينِ). ...
وانظر كلاماً جميلاً على الحديث في: «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد» للشيخ المحدِّث: سليمان بن عبدالله بن الإمام محمد بن عبدالوهاب (١/ ٥٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>