ومما لا شك فيه، ما عُلِم مِن حِرصِ فاطمةَ - رضي الله عنها - على الخير والعبادة، وكذا حرصُ سائرِ الصحابة - رضي الله عنهم -، لذلك اعتنوا بالصدقات في حياتهم، وبعد وفاتهم «الوقف»، وهو من الأعمال المشروعة الفاضلة.
قال الإمام الشافعي (ت ٢٠٤ هـ) - رحمه الله - ـ في معرض ردِّه على أهل الرأي إنكارَهم الوقف ـ:(ولم يزل عمرُ بنُ الخطاب المتصدِّق بأمرِ ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يلي فيما بلغنا صدقتَه حتى قبضَه اللَّهُ - تبارك وتعالى -، ولم يزَلْ عليُّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنه - يلي صدقتَه بِـ «ينبع» حتى لَقِيَ اللَّهَ - عز وجل -، ولم تزلْ فاطمة - عليها السلام - تَلي صَدَقتَه (١) حتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ - تبارك وتعالى -.
أخبرنا بذلك أهلُ العلم مِن وَلَدِ فاطمة، وعلي، وعمر، ومواليهم.
ولقد حفظنا الصدقات عن عددٍ كثير من المهاجرين والأنصار؛ لقد حكى لي عددٌ كثيرٌ من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلُون صدقاتهم حتى ماتوا، ينقل ذلك العامَّةُ منهم عن العامَّةِ، لا يختلفون فيه، وإنَّ أكثرَ ما عندنا بالمدينةِ ومكةَ من الصدقات لَكَما وصفتُ، لم يزَلْ يتصدَّق بها المسلمون من
(١) ونقله البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٦/ ١٦١) عن الشافعي.