عائشة لما سألتها عن السِّرِّ (١)، قال الحاكم:(وهذا الحديثُ يُصرِّح بأن فاطمةَ كانت أعلمَ وأفقَهَ من عائشة؛ إذْ لم تُخبِر بالسِّرِّ في حياة مَن أسرَّ إليها، ثم أخبرَتْ بعد وفاته، وهذا فِقْهُ هذا الحديث، وقد خَفِيَ على عائشة).
كذا قال - رحمه الله -! وهو استدلال ضعيف، بيِّنُ الضعف، فليس في هذه المسألة دلالة على فقهٍ، وأعلَمِيَّة، ويمكن أن يقابَل استدلالُ الحاكم بمثله، فيقال: إنَّ فاطمة سألت أبا بكر ميراثها ـ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يُورَث ـ، وعائشةُ تعلم ذلك، فتكون عائشة أعلمَ وأفقهَ من فاطمة!
والقولُ في العِلْمِ والفِقْهِ إنما هُو بما يصدُر مِن المرء من رواية ودراية، من فتاوى وعمَل، وإنَّ فِقْهَ عائشة لا يُقارن كثرةً بفقه فاطمة - رضي الله عنهما -، مع ملاحظة أنَّ فاطمة توفيت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر، ولم يحتج الناس لحديثها حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده ـ كما سبق بيان ذلك في مبحث علمها ـ، بخلاف عائشة فقد عاشت ستاً وأربعين سنة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرُوِيَ عَنها عِلْمٌ وفِقْهٌ كَثير.
ذكر ابنُ كَثيرٍ - رحمه الله - مِن خصائص أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: (أنها أعلمُ نساءِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هِيَ أعلمُ النساءِ على الإطلاق، قال الزهري: لو جُمع علمُ عائشة إلى عِلمِ جميع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعِلْمِ
(١) سيأتي الحديث في الباب الثالث: مسند فاطمة، حديث رقم (٣٣).