قال ابن القيم - رحمه الله -: (الخلافُ في كون عائشة أفضلُ من فاطمة، أو فاطمة أفضل، إذا حُرِّرَ محلُّ التفضيل؛ صارَ وِفَاقَاً، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم:
فإن أُريدَ بالفضل كثرةُ الثواب عند اللَّه - عز وجل -، فذلك أمرٌ لا يُطَّلَعُ عليه إلا بالنصِّ، لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب، لا بِمُجرَّدِ أعمالِ الجوارح، وكمْ مِنْ عامِلَيْنِ أحدُهما أكثرُ عمَلاً بجوارحه، والآخرُ أرفعُ درجةً منه في الجنة.
وإنْ أُرِيدَ بالتفضيلِ التفضيلُ بالعلم، فلا رَيْبَ أنَّ عائشةَ أعلمُ وأنفعُ للأمَّةِ، وأدَّتْ إلى الأمَّةِ من العلم ما لم يُؤدِّ غيرُها، واحتاجَ إليها خاصُّ الأمَّةِ وعامَّتُهَا.
وإنْ أُريدَ بالتفضيل شرَفُ الأصْلِ وجلالةُ النَّسَبِ، فَلا رَيْبَ أنْ فاطمةَ أفضلُ، فإنها بضعةُ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك اختصاصٌ لم يَشْرَكْهَا فيه غيرُ أخواتها.
وإن أُريدَ السيادةُ، ففاطمةُ سيِّدةُ نِساءِ الأمة.
وأكثَرُ الناسِ إذا تكَلَّمَ في التفضيل، لم يُفَصِّلْ جِهَاتِ الفَضْلِ، ولم يُوازِن بينها، فيَبْخَسُ الحقَّ؛ وإنْ انضَافَ إلى ذلك نوعُ تعصُّبٍ وهَوى لمن يُفَضِّلُهُ؛ تكَلَّمَ بالجهل والظلم.