وإن كان بطريق الهبة؛ امتنع أن يكون بطريق الإرث، ثم إنْ كانت هذه هبة في مرض الموت، فرسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنزَّهٌ، إن كان يُورَث كما يُورَث غيره، أنْ يُوصي لوارثٍ أو يخصُّه في مرض موتِه بأكثر من حقِّه، وإن كان في صحته فلا بد أن تكون هذه هبة مقبوضة، وإلا فإذا وهب الواهب بكلامه ولم يقبض الموهوب شيئاً حتى مات الواهب كان ذلك باطلاً عند جماهير العلماء، فكيف يهب النبي - صلى الله عليه وسلم - فدَكَ لفاطمة ولا يكون هذا أمراً معروفاً عند أهل بيته والمسلمين، حتى تخص بمعرفته أم أيمن أو علي - رضي الله عنهما -؟ !
الوجه الثاني: أنَّ ادِّعاءَ فاطمة ذلك كَذِبٌ على فاطمة، وقد قال الإمام أبو العباس بن سُرَيج في الكتاب الذي صنَّفَه في الرد على عيسى بن أبان لما تكلم معه في باب اليمين والشاهد، واحتج بما احتج، وأجاب عما عارض به عيسى بن أبان، قال: وأما حديث البحتري بن حسان (١)، عن زيد بن علي: أن فاطمة ذكرت لأبي بكر أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أعطاها فدك، وأنها جاءت برجل وامرأة، فقال: رجل مع رجل، وامرأة مع امرأة، فسبحانَ اللهِ ما أعجب هذا؟ ! قد سألتْ فاطمة أبا بكر ميراثها وأخبرها عن رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«لا نورث»، وماحُكِيَ في شيء من الأحاديث أنَّ
(١) كذا في طبعة «منهاج السنة»، ويظهر أنه تصحيف لِـ «النميري بن حيان» كما في «تاريخ المدينة» لابن شبة، وسبقت ترجمته.