لكان ما رواهُ مَن ذكرناه من الصحابة الذين منهم الأئمة الأربعة؛ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، مبيناً لِتَخصيصِه بهذا الحكم دون ما سواه.
الوجه الثالث: أنه يجب العملُ بهذا الحديث والحكمُ بمقتضاه، كما حكَمَ به الخلفاءُ، واعترفَ بصحته العلماء، سواء كان من خصائصهِ أم لا، فإنه قال:«لا نُورث، ما تركنَا صَدَقةٌ». إذْ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله - عليه الصلاة والسلام -: «ما تركنا صَدقةٌ» أن يكون خبراً عن حكمه أو حكم سائر الأنبياء معه، على ما تقدم، وهو الظاهر.
ويحتمل أن يكون إنشاء وصية، كأنه يقول: لا نورث؛ لأن جميع ما تركناه صدقة. ويكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة، والاحتمال الأول أظهر، وهو الذي سلكه الجمهور.
وقد يقوى المعنى الثاني بما تقدم من حديث مالك وغيره، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يقتسمُ ورثتي ديناراً، ما تركتُ بعد نفقة نسائي ومؤنة عامِلي فهو صَدقةٌ».
وهذا اللفظ مخرَّج في «الصحيحين»، وهو يردُّ تحريفَ مَن قال مِن الجهلةِ من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث:«ما تركنا صَدقةً» بالنصب؛ جعل «ما» نافيةً! ! فكيف يصنع بأول الحديث وهو قوله: «لا نورث»؟ !