للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: إذا تيقن طهارتها لم يُكره له استعمالها، وإن لم يَتَقن طهارتها كره استعمالها حتى تُغسل، وبه قال الشافعية (١).

القول الرابع: يباح استعمال آنية الكفار حتى يُعلم نجاستها، وبه قال الحنابلة (٢)، واستدلوا لذلك بما روي في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا. قَالَ: «فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ مُتَبَسِّمًا» (٣). والجراب إناء من آنية أهل الكتاب، ولو كان غسله واجبًا لبينه رسول الله .

وروى البخاري عن أبي هريرة وفيه: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟»، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ. قَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟»، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟»، قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ (٤). فالنبي أكل من طعام اليهود في آنيتهم، وصح أن النبي وأصحابه شربوا من مزادة امرأة مشركة، وأحدهم اغتسل منها. واستدلوا أيضًا بأن الأصل في أواني المشركين الطهارة حتى يُعلم نجاستها.

القول الخامس: يجب غسل أواني المشركين ولا يجب غسل أواني أهل الكتاب، وهو قول عند الحنابلة (٥). واستدلوا بأن أهل الكتاب تحل ذبيحتهم بخلاف المشركين، فكذا لا يجب غسل أوانيهم بخلاف المشركين.

واعترض عليه: بما ورد في الصحيحين من حديث عمران بن حصين أن النبي وأصحابه شربوا من مزادة امرأة مشركة.

والراجح: أنه يستحب غسل آنية المشركين وأهل الكتاب جمعًا بين حديث أبي ثعلبة والأدلة التي تُجوز ذلك، والله أعلم.


(١) «المجموع» (١/ ٣١٩، ٣٢٠).
(٢) «المغني» (١/ ٦٢)، و «الإنصاف» (١/ ٨٥).
(٣) «البخاري» (٥٥٠٨)، و «مسلم» (١٧٧٢)، واللفظ له.
(٤) «البخاري» (٣١٦٩).
(٥) «المغني» (١/ ٦٢)، و «الإنصاف» (١/ ٨٥).

<<  <   >  >>