للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما مَنْ قَدَّمَ يده اليسرى على اليمنى صح وضوءه وفاته الفضل لعموم قوله تعالى: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦].

وجه الدلالة: ما قاله أبو عبيد: لِأَنَّ التَّنْزِيلَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِيَمِينٍ قَبْلَ يَسَارٍ، إِنَّمَا نَزَلَ بِالْجُمْلَةِ فِي ذِكْرِ الْأَيْدِي، وَذِكْرِ الْأَرْجُلِ، فَهَذَا الَّذِي أَبَاحَ الْعُلَمَاءُ تَقْدِيمَ الْمَيَاسِرِ عَلَى الْمَيَامِن.

[المبحث الحادي عشر: من سنن الوضوء: الدلك]

ذهب جمهور العلماء إلى أن دلك أعضاء الوضوء مستحب.

قال النووي: لَا يَجِبُ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ لَا فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْغُسْل، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، هَذَا مَذْهَبُنَا (١) وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ (٢).

واستدلوا لهذا بأن الرجل الذي أصابته الجنابة أعطاه النبي إناء وقال: «اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ»، ولو كان الدلك شرطًا لأخبره به النبي ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وروى مسلم عن أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «لَا. إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» (٣). (ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ) أى: أن الطهارة بمجرد إفاضة الماء.

وذهب مالك وبعض الشافعية إلى أن الدلك شرط في الوضوء والغسل (٤).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾.

وجه الدلالة: ما قَالَه عَطَاءٌ فِي الْجُنُبِ يُفِيضُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، قَالَ: لَا، بَلْ يَغْتَسِلُ غُسْلَانِ؛ لِأَنَّ الله تَعَالَى قَالَ: ﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ وَلَا يُقَالُ: اغْتَسَلَ إلَّا لِمَنْ دَلَكَ نَفْسَهُ؛ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ طَهَارَةٌ عَنْ


(١) «المجموع شرح المهذب» (١/ ٣٨٢).
(٢) انظر: «أحكام القرآن للجصاص» (٢/ ٥٢٢)، «حاشية ابن عابدين» (١/ ١٢٣)، «المغني» (١/ ٢٩٠).
(٣) «مسلم» (٣٣٠).
(٤) «المدونة» (١/ ١٣٢، ١٣٣)، وهو قول المزني كما في «المجموع» (١/ ٢١٤).

<<  <   >  >>