للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: ما لا نفس له سائلة، وفيه مطلبان]

المطلب الأول: تعريف النفس: النفس: هو الدم، وفي الحديث عن أم سلمة قالت: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ، إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، قَالَ: «أَنُفِسْتِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. فقوله: «أَنُفِسْتِ؟» يعني: نزل منكِ الدم بالحيض؟ وكذا النفاس يسمى بذلك لنزول الدم.

[المطلب الثاني: طهارة ما لا نفس له سائلة]

ذهب جمهور العلماء إلى أن ما لا نفس له سائلة إذا سقط في الماء فإنه طاهر، وبه قال الحنفية، والمالكية، وقول في مذهب الشافعية، وقول في مذهب الحنابلة (١).

واستدلوا بما روى البخاري عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً» (٢).

وجه الدلالة ما قاله ابن القيم: أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِمَقْلِهِ، وَهُوَ غَمْسُهُ فِي الطَّعَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا، فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ لَكَانَ أَمْرًا بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ، وَهُوَ إِنَّمَا أَمَرَ بِإِصْلَاحِهِ، ثُمَّ عُدِّيَ هَذَا الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالنَّحْلَةِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، إِذِ الْحُكْمُ يَعُمُّ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَيَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، فَلَمَّا كَانَ سَبَبُ التَّنْجِيسِ هُوَ الدَّمَ الْمُحْتَقِنَ فِي الْحَيَوَانِ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَفْقُودًا فِيمَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالتَّنْجِيسِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ (٣).

القول الثاني: أن ما لا نفس له سائلة إذا سقط في الماء نَجَّسَ الماء، وهو قول عند الشافعية (٤).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣]، فإذا مات الذباب


(١) «المبسوط» (١/ ٥١)، و «المدونة» (١/ ١١٥)، و «الأم» (١/ ٥)، و «المغني» (١/ ٤١).
(٢) البخاري (٥٧٨٢).
(٣) «زاد المعاد» (٣/ ٢١٠).
(٤) «الأم» (١/ ٥).

<<  <   >  >>