للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ فِيهَا (١).

فعُلم أن الدم ليس بنجس؛ لعموم قول النبي : «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ» (٢). فلو كان الدم نجسًا لورد غسل المسجد.

واستدلوا بجواز دخول المستحاضة المسجد، مع أن دمها ينزف، كما ورد في البخاري عن عائشة أَنَّ النَّبِيَّ اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ»، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ (٣). فدل ذلك على طهارة الدم.

واعترض عليه بأن وضع الطست تحتها دليل على اجتناب النجاسة.

وأما حديث سعد فلم يرد نص صريح أنه غسل أو لم يغسل، فليس بصريح.

والراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء من نجاسة الدم المسفوح، وأن اليسير معفو عنه.

[المطلب الثالث: نجاسة دم الشهيد.]

اختلف العلماء في نجاسة دم الشهيد على قولين:

القول الأول: ذهب الحنفية والحنابلة إلى طهارة دم الشهيد، واستدلوا بما روى البخاري عن جابر قال: قال النبي : «ادْفِنُوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ» (٤) يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ، ولو كان دم الشهيد نجسًا لأمر بغسلهم قبل دفنهم. (٥)

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي اللهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» (٦). فشبه الدم بالمسك، والمسك طاهر، فيكون دم الشهيد طاهرًا.


(١) البخاري (٥٦٣)، ومسلم (١٧٦٩).
(٢) مسلم (٢٨٥).
(٣) البخاري (٣٠٩).
(٤) البخاري (١٣٤٦).
(٥) «البحر الرائق» (١/ ١٢٧)، و «الإنصاف» (١/ ٣٢٨).
(٦) البخاري (٢٨٠٣)، ومسلم (٣٤٨٦).

<<  <   >  >>